فينفيها (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) ـ الوجه الأول ـ (نُوراً) هنا من إيمانه (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) في القيامة ـ الوجه الثاني ـ (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) وهو العلم ، والظلمة الجهل ، وشبهه الله تعالى هنا في هذه الآية بالظلمات فقال : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) وهو جهل على جهل ، وهو من جهل ولا يعلم أنه جهل ، فنفى عنه أنه يقارب رؤية يده ، فكيف أن يراها؟ وأدخل اليد هنا دون غيرها لأنها محل وجود الاقتدار ، وبها يقع الإيجاد ، أي إذا أخرج اقتداره ليراه لم يقارب رؤيته لظلمة الجهل ، لأنه لو رآه لرآه عين الاقتدار الإلهي ، فظلمة الليل ظلمة الطبع ، وظلمة البحر ظلمة الجهل وهو فقد العلم ، وظلمة الفكر ظلمة الموج ، وظلمة الموج المتراكم ظلمة تداخل الأفكار في الشبه ، وظلمة السحاب ظلمة الكفر ، فمن جمع هذه الظلمات فقد خسر خسرانا مبينا ـ الوجه الثالث ـ (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) لو لا النور ما وجد للممكن عين ولا اتصف بالوجود ، فنبهنا الله على ذلك بقوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فالنور المجعول في الممكن ما هو إلا وجود الحق لأنه هو النور ، وقد قال تعالى : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) وهو ما بقي من الممكنات في شيئية ثبوتها ، لا حكم لها في الوجود الحق ، فأزال الحق بنوره ظلمة الكون الحادث ـ الوجه الرابع ـ لما كان الأمر سفرا وسلوكا ، اجتمع نور البصر مع النور من خارج وهو نور الشرع ، فكشف ما في الطريق من المهالك والحيوانات المضرة ، فاجتنب كل ما يخاف منها ويحذر ، وسلك محجة بيضاء ما فيها مهلك ولا حيوان مضر (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) بعد أن ظهر مصباح الشرع لم ينطف ولا زال ، فمن استدبره وأعرض عنه مشى في ظلمة ذاته ، وتلك الظلمة ظلمته فيكون ممن جنى على نفسه بإعراضه عن الشرع واستدباره ، فهذا حكم من ترك الشرع واستقل بنظره.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤١)
(أَلَمْ تَرَ) خاطب الحق رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم فقال له : (أَلَمْ تَرَ) ولم يقل : ألم تروا ؛