فإنا ما رأينا ، فالمخاطب بهذه الآية نبيه صلىاللهعليهوسلم الذي أشهده وأراه ، فهو لنا إيمان وهو لمحمد صلىاللهعليهوسلم عيان ، فإنه صاحب الكشف حيث يرى ما لا نرى (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهذا تسبيح فطري ذاتي عن تجل إلهي ، فانبعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي ، وهي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) اعلم أيدنا الله وإياك أن البهائم أمم من جملة الأمم ، لها تسبيحات تخص كل جنس وصلاة مثل ما لغيرها من المخلوقات ؛ فتسبيحهم ما يعلمونه من تنزيه خالقهم ، وأما صلاتهم فلهم مع الحق مناجاة خاصة ، فكل شيء من المخلوقات له كلام يخصه يعلمه الله ويسمعه من فتح الله سمعه لإدراكه ، وجميع ما يظهر من الحيوان من الحركات والصنائع التي لا تظهر إلا من ذي عقل وفكر وروية ، وما يرى في ذلك من الأوزان تدل على أن لهم علما في أنفسهم بذلك كله ، ثم نرى منهم أمورا تدلّ على أنهم ما لهم ما للإنسان من التدبير العام ، فتعارضت عند الناظرين في أمرهم الأمور ، فانبهم أمرهم ، وربما سموا لذلك بهائم من إبهام الأمر ، وما أتي على من أتي عليه إلا من عدم الكشف ، لذلك فلا يعرفون من المخلوقات إلا قدر ما يشاهدون منهم ، فالحيوانات كلها عندنا ذوات أرواح وعقول تعقل عن الله كل» أي كل هؤلاء (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) ـ الوجه الأول ـ الضمير يعود على الله من قوله صلاته ، أي صلاة الله عليه بنفس وجوده ورحمته به في ذلك ـ الوجه الثاني ـ الصلاة تضاف إلى كل ما سوى الله من جميع المخلوقات : ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعيّنت له ، فأضاف الله الصلاة في هذه الآية إلى الكل (تَسْبِيحَهُ) الضمير يعود في تسبيحه على «كل» أي ما يسبح ربه به وهو صلاته له ، والتسبيح في لسان العرب الصلاة. قال عبد الله بن عمر وهو من العرب ـ وكان لا يتنفل في السفر ـ فقيل له في ذلك ، فقال : لو كنت مسبحا أتممت ؛ وقال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ الوجه الثالث ـ إن الله ما خلق الأشياء من أجل الأشياء ، وإنما خلقها ليسبحه كل جنس من الممكنات بما يليق به من صلاة وتسبيح ، لتسري عظمته في جميع الأكوان وأجناس الممكنات وأنواعها وأشخاصها ، فالكل له تعالى ملك ، ولذلك نقول : إن الله تعالى خلق الأشياء له لا لنا ، وأعطى كل شيء خلقه ، وبإعادة الضمير في صلاته على الله وصف الحق نفسه بالصلاة ، وما وصف نفسه بالتسبيح ، فعمّ بهذه الآية