وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٨)
أول درجات التكليف إذا كان سبع سنين إلى أن يبلغ الحلم ، والبلوغ بالسن أو الإنبات أو الحلم للعاقل ، فيجب التكليف على العاقل إذا بلغ. واعلم أن الروح الإنساني لما خلقه الله خلقه كاملا بالغا عاقلا عارفا مؤمنا بتوحيد الله مقرا بربوبيته ، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ثم إن الله تعالى جعل له في الجسم الذي جعله الله له ملكا واستوى عليه ، جعل فيه قوى وآلات حسية ومعنوية ، وقيل له : خذ العلوم منها وصرفها على حد كذا وكذا ، وجعلت له هذه الآلات على مراتب ، فالقوى المعنوية كلها قوى كاملة إلا قوة الخيال ، فإنها خلقت ضعيفة والقوة الحساسة ، وجعلت هاتان القوتان تابعة للجسم ، فكلما نما الجسم وكبر وزادت كميته كلما تقوى حسه وخياله ، فلم تكن لطيفة الإنسان من حيث ذاتها مدركة لما تعطيها هذه القوى إلا بوساطتها ، فلو اتفق أن تعطيها هذه القوى المعلومات من أول ما يظهر الولد في عالم الحس قبلها الروح الإنساني قبولا ذاتيا ، ألا ترى أن الله قد خرق العادة في بعض الناس في ذلك؟ مثل كلام عيسى في المهد وصبي جريج ، هذا سبب تأخير التكليف عن الروح الإنساني إلى الحلم الذي هو حد كمال هذه القوى في علم الله ، فلم يبق عند ذلك عذر للروح الإنساني في التخلف عن النظر والعمل بما كلفه ربه ، لذا قال تعالى :
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ