(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٣)
فمن الغيرة الإلهية أن الناس ينادي مناد فيهم من قبل الله : أين ما أعطي لغير الله؟ فيؤتى بالأموال الجسام ، والعقار والأملاك ، ثم يقال : أين ما أعطي لوجهي؟ فيؤتى بالكسر اليابسة ، والفلوس وقطع الفضة المحقرة ، والخليع من الثياب ، فغار الحق لذلك أن يعطى لوجهه من نعمته مثل ذلك ، فأخذ الصدقة بيده ورباها حتى صارت مثل جبل أحد أكبر ما يكون ، فيظهرها له على رؤوس الأشهاد ، ويحقر ما أعطي لغير الله ، فيجعله هباء منثورا.
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٤)
لا مفاضلة بين الخير والشر ، فما كان خير أصحاب الجنة أفضل وأحسن إلا من كونه واقعا وجوديا محسوسا ، فهو أفضل من الخير الذي كان الكافر يتوهمه في الدنيا ، ويظن أنه يصل إليه بكفره لجهله ، فلهذا قال فيه خير وأحسن ، فأتى ببنية المفاضلة.
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٢٥)
(يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) أي بسبب الغمام ، أي لتكون غماما ، فتفتح أبوابا كلها فتصير غماما ، وقد كان الملائكة عمارها وهي سماء ، فيكونون فيها وهي غمام ، وفيها يأتون يوم القيامة إلى الحشر التقديري ، والملائكة في ظل من الغمام ، والظلل أبوابها يقول الله تعالى (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) وقال (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً)