قبض الظل ومدّه من اللطف ما إذا فكر فيه الإنسان رأى عظيم أمر ، ولهذا نصبه الله دليلا على معرفته. فقال (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) فلا يدرك البصر عين امتداده حالا بعد حال ، فإنه لا يشهد له حركة مع شهود انتقاله ، فهو عنده متحرك لا متحرك ، وكذلك في فيئه وهو قوله (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) فمنه خرج ، فإنه لا ينقبض إلا إلى ما منه خرج ، كذلك تشهده العين ، وقد قال تعالى وهو الصادق إنه قبضه إليه ، فعلمنا أن عين ما خرج منه هو الحق ، ظهر بصورة خلق ، فيه ظل يبرزه إذا شاء ، ويقبضه إذا شاء لكن جعل الشمس عليه دليلا ولم يتعرض لتمام الدلالة ، وهو كثافة الجسم الخارج الممتد عنه الظل ، فبالمجموع كان امتداد الظل ، فهذا شمس ، وهذا جدار ، وهذا ظل ، وهذا حكم امتداد وقبض بفيء ورجوع إلى ما منه بدأ فإليه عاد ، والعين واحدة ، فهل يكون شيء ألطف من هذا؟ فالأبصار وإن لم تدركه فما أدركت إلا هو ، فإنه ما أحالنا إلا على مشهود بقوله (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) وما مده إلا بشمس وذات كثيفة تحجب وصول نور الشمس إلى ما امتد عليه ظل هذه الذات ، وجهة خاصة ، ثم قبضه كذلك ، فهذه كيفية ما خاطبنا بها أن ننظر إليها وما قال : فيها فكنا نصرف النظر تألقا إلى الفكر ، ولكن بأداة «إلى» أراد شهود البصر ، وإن كانت الأدوات يدخل بعضها في مكان بعض ، ولكن لا يعرف ذلك إلا بقرائن الأحوال ، وهي إذا استحال أن يكون حكم هذه الأداة بالوضع في هذا الموضع ، علمنا أنها بدل وعوض من أداة ما يستحقه ذلك الموضع ، وهذا معلوم في اللسان ، وبهذا اللسان أنزل القرآن ، فلا بد أن يجري به على ما تواطؤوا عليه في لحنهم ، فقرن الرؤية ب «إلى» وجعل المرئي الكيف ، فلم يشهد هنا ذات الحق وهو يكيف مد الظل ، وإنما رأينا مد الظلال عن الأشخاص الكثيفة ، التي تحجب الأنوار أن تنبسط على الأماكن التي تمتد فيها ظلال هذه الأشخاص ، فعلمنا أن الرؤية في هذا الخطاب إنما متعلقها العلم بالكيف المشهود الذي ذكرناه ، وأن ذلك من الله سبحانه لا من غيره ، أي أنه لو أراد أن تكون الأشخاص الكثيفة منصوبة ، والأنوار في جهة منها بمنع تلك الأشخاص انبساط النور على تلك الأماكن فيسمى منعها ظلالا ، أو يقبض تلك الظلال عن الانبساط على تلك الأماكن ولا يخلق فيها نورا آخر ، ولا ينبسط ذلك النور المحجوب على تلك الأماكن لما قصرت إرادته عن ذلك ، كما قال تعالى : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) وهو رجوع الظل