المسوى ، وحال العالم بعد موته بمنزلة النائم ، وحالة العالم ببعثه يوم القيامة بمنزلة الانتباه واليقظة بعد النوم ، فهو صلىاللهعليهوسلم روح العالم ، وهذه الآية ضرب مثال على خفاء ظهور رسول الله صلىاللهعليهوسلم في العالم قبل ظهور نشأته الظاهرة ، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، وأنه هو أكمل صورة إلهية في الظهور والخفاء لمن فهم المعنى ، وأنه بقبضه صلىاللهعليهوسلم لم يختف من العالم اختفاء عدميا ، بل هو كالظل المندرج في أصله ، فروح العالم صلىاللهعليهوسلم هو الآن من العالم في صورة المحل الذي هو فيه روح الإنسان عند النوم ، إلى يوم البعث ، الذي هو مثل يقظة النائم هنا ، فالعالم اليوم بفقد جمعية محمد صلىاللهعليهوسلم في ظهوره روحا وجسما وصورة ومعنى ، نائم لا ميت ، فإنه تعالى ذكر الكيف ، والظل لا يخرج إلا على صورة من مد منه ، فخلقه رحمة ، فمدّ الظل رحمة وافية ، فلا أعظم رحمة من الإنسان الكامل ، والنور من الصفات ، والظل على صورة الذات ـ إشارة ـ ما مد الظلال للراحة ، وإنما مدها لتكون سلما إلى معرفته فأنت ذلك الظل وسيقبضك إليه.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) (٤٧)
(جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) لأهله يلبسونه فيسترهم (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي راحة طبيعية للناس ـ من باب الإشارة ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) هذا لأهل الليل أي يسترهم عن أعين الأغيار فلا يشهد أحد فعل أهل الليل مع الله في عبادتهم ، لحجاب ظلمة الليل التي أرسلها الله دونهم ، فيتمتعون في خلواتهم الليلية بحبيبهم فيناجونه من غير رقيب ، لأنه جعل النوم في أعين الرقباء سباتا ، أي راحة لأهل الليل إلهية ، كما هو راحة للناس طبيعية ، فإذا نام الناس استراح هؤلاء مع ربهم ، وخلوا به حسا ومعنى فيما يسألونه من قبول توبة ، وإجابة دعوة ، ومغفرة حوبة ، وغير ذلك. فنوم الناس راحة لهم ، فإن الله تعالى ينزل إليهم بالليل إلى السماء الدنيا فلا يبقى بينه وبينهم حجاب فلكي ، ونزوله إليهم رحمة بهم ، ورد في الخبر : كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ، أليس كل محب يطلب الخلوة بحبيبه ، ها أنا ذا قد تجليت لعبادي هل من داع فأستجيب له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى ينصدع الفجر.