(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨)
قال صلىاللهعليهوسلم [إن الله خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء] فإذا حصلت النجاسة فيه بلا شك. لكنها متميزة عن الماء ـ بقي الماء طاهرا على أصله ، إلا أنه يعسر إزالة النجاسة منه ، فما أباح الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة استعملناه ، وما منع من ذلك امتنعنا منه لأمر الشرع ، مع عقلنا أن النجاسة في الماء ، وعقلنا أن الماء طهور في ذاته لا ينجسه شيء ، فما منعنا الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة لكونه نجسا أو تنجس ، وإنما منعنا من استعمال الشيء النجس لكوننا لا نقدر على فصل أجزائه من أجزاء الماء الطاهر ، فبين النجاسة والماء برزخ مانع لا يلتقيان لأجله ، ولو التقيا لتنجّس الماء.
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣)
«وهو الذي مرج البحرين هذا عذاب فرات» لمصالح العباد فيما يستعملونه من الشرب وغير ذلك ، (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) لمصالح العباد فيما يذهب به من عفونات الهواء ، فبما فيه من الملوحة يصفي الجو من الوخم والعفونات التي تطرأ فيه من أبخرة الأرض وأنفاس العالم ، فيطرأ التعفين في الجو ، فيذهب ذلك التعفين ما في البحر من الملوحة ، فيصفو الجو ، وذلك من رحمة الله بخلقه.