(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) (٦٠)
لما كان المشركون لا يعلمون للحق إلا مسمى الله ، ولم يعلموا أنه عين الرحمن قيل : إن الاسم الرحمن لم يكن عندهم ، ولا سمعوا به قبل هذا ، فلما قال لهم صلىاللهعليهوسلم (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) وهو سجود إنعام لا سجود قهر ، قالوا : وما الرحمن؟ على طريق الاستفهام ، وقد قيل : إنهم كانوا يعرفونه مركبا الرحمن الرحيم اسم واحد ، كبعلبك ورام هرمز ، فلما أفرده بغير نسب أنكروه ، ولم تنكر العرب كلمة الله ، فإنهم القائلون (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فعلموه ، ولما كان الرحمن يعطي الاشتقاق من الرحمة ، وهي صفة موجودة فيهم ، خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليه من جنسهم ، فأنكروا وقالوا : وما الرحمن؟ لما لم يكن من شرط كل كلام أن يفهم معناه ، ولهذا قال تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) لما كان اللفظان راجعين إلى ذات واحدة ، فما أنكره من أنكره ـ أعني الاسم الرحمن ـ إلا للقرب المفرط ، فإنه لا أقرب من الرحمة إلى الخلق ، وما ثمّ أقرب إليهم من وجودهم ، ووجودهم رحمة بلا شك ، ولم يقروا بالله إلا لما يتضمنه هذا الاسم من الرحمة والقهر ، فعلم ، وجهل الرحمن ، فتخيلوا في الرحمن أنه شريك لله الذي يقرون به ويتزلفون إليه ، فأنكروا ذلك ولم ينكروا ذلك فيمن نصبوه إلها ، لأنهم عالمون بأسماء من نصبوهم آلهة من دون الله ، فعلموا بأسمائهم أنهم ليسوا في الحقيقة في الألوهة مثله ، وقد دلهم صلىاللهعليهوسلم بالسجود للرحمن على عبادة غيب ، فقالوا (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) فزادهم هذا الاسم نفورا لجهلهم به ، فإنهم لا يعرفون إلا الله الذي بيده الاقتدار الإلهي والأخذ الشديد ، وهو الكبير عندهم المتعالي ، فهم لذلك يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا عنده ، وأخطأ الكفار حيث رأوا أن الرحمن يناقض التكليف ، ورأوا أن الأمر بالسجود تكليف ، فلا ينبغي أن يكون السجود لمن هو هذا الاسم الرحمن ، لما فيه من المبالغة في الرحمة ، فلو ذكره بالاسم الذي يقتضي القهر ، ربما سارع الكافر إلى السجود خوفا ، كما صدر من الجبار عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم من رؤساء الجاهلية حيث قال له : يا محمد اتل عليّ ممّا جئت به حتى أسمع ؛ فتلا عليه (حم السجدة) فلما وصل إلى قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وهما من العرب ،