فرعون وآله ، فأنتج له ذلك الفرار الحكم الذي هو الإمامة والخلافة والرسالة ، مع كون السبب الموجب الذي ذكره ـ تحقيق ـ لا شيء ألطف من الخواطر والأوهام ، وهي الحاكمة على الكثائف ، لضعف الكثيف وقوة سلطان اللطيف ، الدليل التغير بالخوف ، والمخوف من حلوله ماله عين وجودية. وقد أحدث الخوف في جسم الخائف حركة الهرب ، وطلب الستر والمدافعة ، وما وقع شيء إلا عين الخوف وهو لطيف.
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٢)
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ) هو قول فرعون (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)؟ فتلك النعمة تربية فرعون ، والمنّ يبطل الإنعام ، لأنه استعجال الجزاء ، ولما كان من شأن فرعون إذلال بني إسرائيل ، وموسى عليهالسلام منهم ، وكان قد أعزه وتبناه ، فهذا معنى قوله (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣)
لما دعا موسى فرعون إلى الله رب العالمين ، فسأله فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟) يسأله عن الماهية ، ولما كانت ذات الله لا يجوز أن تطلب «بما» كما طلب فرعون ، فأخطأ في السؤال ، لهذا عدل موسى عليهالسلام عن جواب سؤاله ، لأن السؤال إذا كان خطأ لا يلزم الجواب عنه ، وكان المجلس مجلس عامة ، فلذلك تكلم موسى بما تكلم به ، وفي السؤال عن الحق بلفظ (ما) خلاف ، فإن الحق سبحانه ما نهى فرعون على لسان موسى عليهالسلام عن سؤاله ، بل أجاب بما يليق به الجواب عن ذاك الجناب العالي ، وإن كان وقع الجواب غير مطابق للسؤال ، فذلك راجع لاصطلاح من اصطلح على أنه لا يسأل بذلك إلا عن الماهية المركبة ، واصطلح عن أن الجواب بالأثر لا يكون جوابا لمن سأل «بما» وهذا الاصطلاح لا يلزم الخصم ، فلم يمنع هذا السؤال بهذه الصيغة عليه ، إذ كانت الألفاظ لا تطلب لنفسها ، وإنما تطلب لما تدل عليه من المعاني التي وضعت لها ، فإنها بحكم الوضع ، وما كل طائفة وضعتها بإزاء ما وضعتها الأخرى ، فيكون الخلاف في عبارة لا في حقيقة ، ولا يعتبر الخلاف إلا في المعاني ، ومذهبنا في ذلك هو : أن ما حجّر الشرع علينا حجّرناه ،