لما رأى فرعون أن موسى عليهالسلام ما أجابه على حد ما سأل ، لأنه تخيل أن سؤاله هذا متوجه ، وما علم أن ذات الحق لا تدخل تحت مطلب «ما» ، وإنما تدخل تحت مطلب «هل» وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل هو متحقق أم لا؟ فقال فرعون وقد علم ما وقع فيه من الجهل ، إشغالا للحاضرين لئلا يتفطنوا لذلك (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) ولو لا ما علم الحق فرعون ما أثبت في هذا الكلام أنه أرسله مرسل ، وأنه ما جاء من نفسه ، لأنه دعا إلى غيره ، وكذا نسبه فرعون إلى ما كان عليه موسى بقوله (لَمَجْنُونٌ) ـ الوجه الأول ـ أي مستور عنكم فلا تعرفونه ، فعرفه موسى بجوابه إياه ، وما عرفه الحاضرون كما عرفه علماء السحرة ، وما عرفه الجاهلون بالسحر ـ الوجه الثاني ـ (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) أي قد ستر عنه عقله ، لأن العاقل لا يسأل عن ماهية شيء فيجيب بمثل هذا الجواب ، فقال له موسى لقرينة حال اقتضاها المجلس ، ما قال إبراهيم عليهالسلام لنمروذ.
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨)
المشرق لا يسمى لطلوع القمر ولا النجوم ، بل للشمس فقط ، ولذلك قال تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) أي طلوع الشمس وغروبها ، ولو لم يقل (وَما بَيْنَهُما) لجاز ، لأنه ليس بينهما شيء ، وذلك لأن عين حال الشروق في ذلك الحيّز هو عين استوائها وهو عين غروبها ، فكل حركة واحدة من الشمس في حيّز واحد شروق واستواء وغروب ، فما ثمّ ما ينبغي أن يقال ما بينهما ، لكنه قال (وَما بَيْنَهُما) لغموضه على الحاضرين ، فإنهم لا يعرفون ما فصلناه في إجمال (وَما بَيْنَهُما) فجاء بالمشرق والمغرب المعروف بالعرف ثم قال لهم «إن كنتم تعلمون» فأحالهم على النظر العقلي.
(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (٣٠)
يظهر له المانع من تعديه عليه ، فلم يسع فرعون إلا أن يقول له :