نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) (٧٣)
العلم حاكم ، فإن لم يعمل العالم بعلمه فليس بعالم ، العلم لا يمهل ولا يهمل ، لما علم الخضر حكم ، ولما لم يعلم ذلك صاحبه اعترض عليه ونسى ما كان قد ألزمه ، فالتزم.
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) (٧٤)
(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) أي ينكره شرعي ، فما أنكر موسى عليهالسلام إلا بما شرع له الإنكار فيه ، ولكن غاب عن تزكية الله لهذا الذي جاء بما أنكره عليه صاحبه ، فهو في الظاهر طعن في المزكي. واعلم أنه ما أذهل موسى عليهالسلام إلا سلطان الغيرة التي جعل الله في الرسل عليهمالسلام على مقام شرع الله على أيديهم ، فلله أنكروا ، وتكرر منه عليهالسلام الإنكار مع تنبيه العبد الصالح في كل مسئلة ، ويأبى سلطان الغيرة إلا الاعتراض ، لأن شرعه ذوق له ، والذي رآه من غيره أجنبي عنه ، وإن كان علما صحيحا ، ولكن الذوق أغلب والحال أحكم. واعلم أن الكشف لا ينكر شيئا ، بل يقرر كل شيء في رتبته ، من عقل وشرع وذوق ، فمن كان وقته الكشف أنكر عليه ولم ينكر هو على أحد ، ومن كان وقته العقل أنكر وأنكر عليه ، ومن كان وقته الشرع أنكر وأنكر عليه ، والمحقق ينكر مع الشرع ما ينكره الشرع ، لأن وقته الشرع ، ولا ينكره كشفا ولا عقلا.
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (٧٧)