السموات ، وهو إخراجه ما ظهر من الكواكب بعد أفولها وخبئها ، ثم يظهرها طالعة من ذلك الخبء وفي (الْأَرْضِ) ما يخرجه من نباتها ، فالشمس ليس لها ذلك ، بل لظهورها يكون خبء ما في السموات من الكواكب ، فالله أولى بأن يسجد له من سجودكم للشمس ، فإن حكمها عند الله كحكم الكواكب في الأفول والطلوع ، فطلوعها من الخبء الذي يخرجه الله في السماء ، مثل سائر الكواكب.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٢٦)
فوسع كل شيء رحمة وعلما ، واستوى على العرش العظيم ، إذ حكم على فلك الشمس بدورته ، وعلى الماء باستقراره وجريته ، فهما في كل درجة في خبء وظهور ، فوحّده الظهور بظهوره ، ووحّده الخبء بسدل ستوره ، فعلم سبحانه ما يخفون وما يعلنون ، فهو (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ). وهذا هو التوحيد الثاني والعشرون في القرآن ، وهو توحيد الخبء ، وهو من توحيد الهوية ، والسجدة مختلف في موضعها ، فقيل : عند قوله (تُعْلِنُونَ) وقيل : عند قوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وهي سجدة رجحان ، فإن الدليل هنا في جناب الله أرجح منه في الدلالة على ألوهة الشمس حين اتخذتموها إلها لما ذكرناه.
(قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢٧)
فإن الأخبار تشهد للمؤمن بالإيمان والبهتان ، والدليل خبر الهدهد فيما أخبر به سليمان ، فإن شهد له العيان ، أو الضرورة من الجنان ، وقع الإيمان ، وإن كذبه ألحقه بالبهتان ، فالأخبار ، محك ومعيار ، تشهد لها الآثار الصادقة ، والأنوار الشارقة.
(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (٢٩)
من حكمة بلقيس وعلو علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب ، وما عملت ذلك إلا لتعلم أصحابها أن لها اتصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها ، لأنه إذا جهل طريق الأخبار