أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠)
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) وهو آصف بن برخيا ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، الذي يفعل بالخاصية ، ولو لا الكتاب ما علم ذلك ، قال لسليمان عليهالسلام : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فظهر بهذا الأمر تعظيما لقدر سليمان عليهالسلام عند أهل بلقيس وسائر أصحابه وما طوي عن سليمان عليهالسلام العلم بهذا الاسم ، وإنما طوي عنه الإذن في التصرف به ، تنزيها لمقامه ، فإنه رسول مصرف العين إلى من أرسل إليه ، فما ظهر آصف بالقوة على الإتيان بالعرش دون سليمان عليهالسلام إلا ليعلم الحق أن شرف سليمان عظيم ، إذ كان لمن هو حسنة من حسناته هذا القدر ، فكان ذلك من آصف بن برخيا إعلام الغير ، بأن التلميذ التابع ، إذا كان أمره بهذه المثابة ، فما ظنك بالشيخ؟ فيبقى قدر الشيخ مجهولا في غاية التعظيم ، فلو ظهر على سليمان عليهالسلام هذا الفعل ، لتوهم أن هذا غايته ، وظهور هذا الفعل على يد صاحبه أتم في حقه ، إذ كان هذا التابع مصدقا به ، وقائما في خدمته بين يديه تحت أمره ونهيه ، فيزيد المطلوب رغبة في هذا الرسول ، إذا رأى بركته قد عادت على تابعيه ، فيرجو هذا الداخل أن يكون له بالدخول في أمره ما كان لهذا التابع ، والنفس مجبولة على الطمع ، وحب الرياسة والتقدم (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فإنه معلوم بالقدر الزماني ، أن رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه ، لأن حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه أسرع من قيام حركة الجسم فيما يتحرك منه ، فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر عين الزمان الذي يتعلق بمبصره مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور ، فإن زمان فتح البصر زمان تعلقه بفلك الكواكب الثابتة ، وزمان رجوع طرفه إليه هو عين زمان عدم إدراكه ، والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك ، أي ليس له هذه السرعة.