فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت (مَعَ سُلَيْمانَ) فما يمر بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك ـ إشارة ـ لما قالت بلقيس في عرشها (كَأَنَّهُ هُوَ) عثور على علمها بتجديد الخلق في كل زمان فأتت بكاف التشبيه ، وأراها صرح القوارير كأنه لجة ، وما كان لجة ، كما أن العرش المرئي ليس عين العرش من حيث الصورة لقول سليمان عليهالسلام (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) ، والجوهر واحد ، وهذا سار في العالم كله أي تجديد الخلق مع الأنفاس ـ إشارة ـ (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) أي بينت أمرها ، ومنه كشف عن ساق الأمر.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٠)
(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أن عين ما اعتقدوه أنه مكرهم هو مكري بهم ، ووجود المكر الإلهي بالماكرين من حيث لا يشعرون لا يكون إلا في الدنيا ، فإنهم في الآخرة يعرفون أن الله مكر بهم في الدنيا ، بما بسط لهم فيها مما كان فيه هلاكهم ، فهنا في الدنيا وقع المكر بهم ، حيث وقع المكر منهم ، بل في بعض الوقائع أو أكثرها بل كلها أن عين مكرهم هو مكر الله بهم وهم لا يشعرون. واعلم أن كل ممكور به إنما يمكر الله به من حيث لا يشعر ، وقد يشعر بذلك المكر غير الممكور به ، فإنه تعالى قال : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فمضمر (هُمْ) هو المضمر في مكروا ، فكان مكر الله بهؤلاء هو عين مكرهم الذي اتصفوا به ، وهم لا يشعرون ، وهذا المكر الإلهي إذا شعر به الممكور به زال كونه مكرا ، إلا في حال واحد ، وذلك إذا شعر بمكر الله في أمر أقامه فيه ، وأقام عليه ، وإقامته عليه بعد العلم أنه من مكر