شيء ، ولكن إذا عين لا يقتضيه الأدب بل ينسب معيّنه إلى سوء الأدب ، أو فساد العقيدة ، مع صحة ذلك ، والكل منه ونعمته ، ولو لا حقارة ذلك بالعرف لم نقل به ، فإني ما أرى شيئا ليس عندي بعظيم ، لأني أنظر بعين اعتناء الله به حيث أبرزه في الوجود ، فأعطاه الخير ، فليس عندنا أمر محتقر ، فالكل نعمته ظاهرة وباطنة ، فظاهرة ما شوهد منها ، وباطنة ما علم ولم يشهد ، وظاهرة التعظيم عرفا ، وباطنة التعظيم عند أهل الله وأهل النظر المستقيم مما ليس بعظيم في الظاهر (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) الاصطفاء لا يكون إلا بعد الخلق ، فإنه ما كل خلق مصطفى ، كما أنه ما كل مصطفى نبي ، وكل نبي مصطفى ، والمصطفون بمنزلة الصفي من المغنم ، وهم نصيب الحق من الخلق.
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٦٢)
إن المضطر هو الذي دعا ربه عن ظهر فقر إليه ، وما منع الناس الإجابة من الله في دعائهم إياه إلا كونهم يدعونه عن ظهر غنى ، لالتفاتهم إلى الأسباب وهم لا يشعرون ، وينتجه عدم الإخلاص. والمضطر المضمون له الإجابة مخلص مخلص ، ما عنده التفات إلى غير من توجه إليه ، فمن دعا عقيب عبودية الاضطرار فقمن أن يستجاب له ، فإن الله تعالى قد ضمن الإجابة لمن اضطر في سؤاله ـ تحقيق ـ كل مخلوق الاضطرار يصحبه دائما لأنه حقيقته ، ومع اضطراره فقد كلّف ، فالذي ينبغي له أن يقف عند ما كلّف ، فإن الاضطرار المطلق لا يرتفع عنه ، وإنما يرتفع عنه اضطرار خاص إلى كذا ، فجميع حركات الكون من جهة الحقيقة اضطرارية مجبور فيها ، وإن كان الاختيار في الكون موجودا نعرفه ، ولكن ثمّ علم آخر علمنا به أن المختار مجبور في اختياره ، بل تعطي الحقائق أن لا مختار ، لأنا رأينا