(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٨٢)
إن وقع الجدار ، ظهر كنز الأيتام الصغار ، فتحكمت فيه يد الأغيار ، وبقي الأيتام الصغار من الفقر في ذلة وصغار (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) ـ الوجه الأول ـ يعني جميع ما فعله من الأعمال ، وكل ما جرى منه ، وجميع ما قال من الأقوال في العبارة لموسى عليهالسلام عن ذلك ، يعني أن الحق علمني الأدب معه ، لأنه كان على شرعة من ربه ومنهاج ، فكان الخضر في حكمه على شرع رسول غير موسى ، فحكم بما حكم به مما يقتضيه شرع الرسول الذي اتبعه ، ومن شرع ذلك الرسول حكم الشخص بعلمه ، فحكم بعلمه في الغلام أنه كافر ، فلم يكن حكم الخضر فيه من حيث إنه صاحب شرع منزل ، وإنما حكم فيه مثل حكم القاضي عندنا بشرع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنبه الخضر موسى عليهالسلام أنه ما فعل الذي فعل عن أمره ، فإنه ليس له أمر ، وما هو من أهل الأمر عن طريق الملائكة المخصوصة بالرسل والأنبياء ، ولو قال الخضر لموسى عليهالسلام من أول ما صحبه : ما أفعل شيئا مما تراني أفعله عن أمري ما أنكره عليه ، ـ الوجه الثاني ـ (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) لو لا أن الخضر أمره الله أن يظهر لموسى عليهالسلام بما ظهر ، ما ظهر له بشيء من ذلك ، فإنه من الأمناء ـ الوجه الثالث ـ (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) فعلم موسى عليهالسلام أن فراق الخضر له كان عن أمر ربه ، فما اعترض عليه في فراقه ـ أدب الإضافة ـ كل ما ينسب إلى المخلوق من الأفعال فهو فيه نائب عن الله ، فإن وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح ، فإن الله يحب أن يمدح ، كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ننسبه إلى الله ، وكذلك فعل العالم العدل الأديب ، فكنّى عن نفسه في إرادة العيب فقال (فأردت أن أعيبها) وقال في المحمود (فأراد ربك) في حق اليتيمين ، وقال في موضع الحمد والذم (فأردنا) بنون الجمع ، لما فيه من تضمن الذم في قتل الغلام بغير نفس ، ولما فيه من تضمن الحمد في حق ما عصم الله بقتله أبويه ، فقال (فأردنا) وما أفرد ولا عيّن ،