هكذا حال الأدباء ، فتعلمنا قصة الخضر مع موسى عليهالسلام أدب الإضافة ، فقد أضاف الخضر خرق السفينة إليه ، إذ جعل خرقها عيبا ، وأضاف قتل الغلام إليه ، وإلى ربه لما فيه من الرحمة بأبويه ، وما ساءهما من ذلك أضاف إليه ، وأضاف إقامة الجدار إلى ربه لما فيه من الصلاح والخير ، فقال تعالى عن عبده خضر في خرق السفينة (فأردت أن أعيبها) تنزيها أن يضاف إلى الجناب العالي ما ظاهره ذم في العرف والعادة ، وقال في إقامة الجدار لما جعل إقامته رحمة باليتيمين لما يصيبانه من الخير الذي هو الكنز (فأراد ربك) يخبر موسى عليهالسلام (أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) وقال لموسى عليهالسلام في حق الغلام : إنه طبع كافرا ، والكفر صفة مذمومة ، وأراد أن يخبره بأن الله يبدل أبويه خيرا منه زكاة وأقرب رحما ، فأراد أن يضيف ما كان في المسألة من العيب في نظر موسى عليهالسلام ، حيث جعله نكرا من المنكر ، وجعله نفسا زاكية قتلت بغير نفس ، قال (فأردنا أن يبدلهما ربهما) فأتى بنون الجمع ، فإن في قتله أمرين : أمر يؤدي إلى الخير ، وأمر إلى غير ذلك في نظر موسى وفي مستقر العادة ، فما كان من خير في هذا الفعل فهو لله من حيث ضمير النون ، فنون الجمع لها وجهان لما فيها من الجمع ، وجه إلى الخير به أضاف الأمر إلى الله ، ووجه إلى العيب به أضاف العيب إلى نفسه ، وجاء بهذه المسألة والواقعة في الوسط لا في الطرف بين السفينة والجدار ، ليكون ما فيها من عيب من جهة السفينة ، وما فيها من خير من جهة الجدار ، فلو كانت مسألة الغلام في الطرف ابتداء أو انتهاء لم تعط الحكمة أن يكون كل وجه مخلصا من غير أن يشوبه شيء من الخير أو ضده ، وبذلك يلي وجه العيب جهة السفينة ، ويلي وجه الخير جهة الجدار فاستقامت الحكمة ـ إشارة ـ سفينتك مركبك فاخرقه بالمجاهدة ، وإن جعلتها النفس فاخرقها بالرياضات ، وغلامك هواك فاقتله بسيف المخالفة ، وجدارك عقلك ، لا بل الأمر المعتاد في العموم ، فأقمه تستر به كنز المعارف الإلهية عقلا وشرعا حتى إذا بلغ الكتاب أجله ، وهو إذا بلغ عقلك وشرعك فيك أشدهما ، وتوخيا ما يكون به المنفعة في حقهما استخرجا كنزهما ، فإن الجدار لم يمل إلا عبادة ليظهر ما تحته من كنوز المعارف ، التي يستغني بها العارف الواقف ، فخلق الله الغيرة في صورة الخضر فأقامه من انحنائه ، لما علم أن الأهلية ما وجدت في ذلك الوقت في رب المال ، فيقع التصرف فيه على غير وجهه ، (ولتعلمن نبأه بعد حين)