الاستماع ، فإنه لكل نوع من التجلي حكم ، وحكم نداء هذا التجلي التهيؤ لسماع ما يأتي به ، فلم يصعق ولا غاب عن شهوده ، فإنه خطاب مقيد بجهة ، مسموع بأذن ، وخطاب تفصيلي ، فالمثبت للإنسان على حسه وشهود محسوسه قلبه المدبر لجسده ، ولم يكن لهذا الكلام الإلهي الموسوي توجه على القلب ، فليس للقلب هنا إلا ما يتلقاه من سمعه وبصره وقواه حسبما جرت به العادة ، فلم يتعد الحال حكمه في موسى عليهالسلام ، وأما أمر محمد صلىاللهعليهوسلم فهو نزول قلبي وخطاب إجمالي كسلسلة على صفوان ، فاجعل بالك لهذا التشبيه ، فاشتغل القلب بما نزل إليه ليتلقاه ، فغاب عن تدبير بدنه ، فسمي ذلك غشيا وصعقا ، وكذلك الملائكة.
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٣٤)
هارون عليهالسلام نبي بحكم الأصل ، وأخذ الرسالة بسؤال أخيه موسى عليهالسلام ـ إشارة ـ لا تطلب ردءا سواه ، فمن توكّل على الله كفاه ، اطلب الردء من جنسك ، فإنه قد شاء أن يكون أقوى لنفسك ـ فلا تطلب ردءا سواه ، أي معينا ، واطلب الردء من جنسك ، لخور الطبع ، فإذا كنت في مقام لا تقوى فيه على ما يقتضيه المقام الأول ، فانزل إلى المقام الثاني ، فهو بمنزلة قوله عليهالسلام : [اعقلها وتوكل] ليكون القلب مطمئنا.