(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣٨)
لما كان عند فرعون علم بالله ، لكن الرياسة وحبها غلب عليه في دنياه قال (ما عَلِمْتُ لَكُمْ) ولم يقل (ما علمت للعالم) لما علم أن قومه يعتقدون فيه أنه إله لهم ، فأخبر بما هو الأمر عليه وصدق في إخباره بذلك ، فإنه علم أنه ليس في علمهم أن لهم إلها غير فرعون ، لذلك قال (مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي في اعتقادكم ، وهو على أي حال قد تكبر على الله ، فإنه ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله بقوله لقومه (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وما في علمي أن أحدا يقع منه هذا القول وهو يجوع ويغوط وأمثال هذا إلا فرعون لمّا استخف قومه (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) ولم يقل إلى الله الذي يدعو إليه موسى عليهالسلام ، فإن الله عصم لفظ الله أن يطلق على أحد وما عصم إطلاق إله فجعل قوله (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) ظنا بعد شك أو إثباتا في قوله : (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ).
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ