من أحوال أفعال الصلاة السجود ، ومن أقوالها ذكر الله ، واختار من أصناف الإرادات النية ، والتحقيق أنه ما ثمّ حثالة ولا كناسة فإن ربك يخلق ما يشاء ويختار ، والمختار هو المصطفى ، فالنفوس نفايس ، فيختار الأنفس ويبقي النفيس ، فهذا ما كان من اختيار الله ـ الوجه الأول ـ (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) بل هي لله ، والله فعال لما يريد ، فنفى أن تكون لهم الخيرة ، وعندنا أن [ما] هنا اسم ، وهو في موضع نصب على أنه مفعول بقوله : ويختار الذي كان لهم الخيرة ، يعني فيه ، فإذا علم العبد ذلك سلّم الحكم فيه لله واستسلم ، وكان بحكم وقت ما يمضيه الله فيه ، لا بحكم ما يختاره لنفسه في المنشط والمكره ، ويرى أن الكل له فيه خير ، فيعامله الله في كل ذلك بخير ، فإن كان وقته يعطي نعمة ـ وكان عقده مع الله مثل هذا ـ رزقه الشكر عليها والقيام بحق الله فيها وأعين عليها ، وإن كان بلاء رزق الصبر عليه والرضا به وجعل الله له مخرجا من حيث لا يحتسب ، فإذا اقتضى الحق أمرا وكان له بك عناية أجراه عليك ورزقك القيام بحقه ـ الوجه الثاني ـ لا ينبغي للعبد أن يكون له اختيار مع سيده قال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) فيما يختاره لهم ، فليس لهم أن يختاروا ، بل يقفون عند المراسم الشرعية ، فإن الشارع هو الله تعالى ـ تحقيق الجبر والاختيار ـ العبد مجبور في اختياره ، ومع أن الله فاعل مختار فإن ذلك من أجل قوله : ويختار ، وقوله : ولو شئنا ، ولا يفعل إلا ما سبق به علمه ، وتبدل العلم محال ، وما رأيت أحدا تفطن لهذا القول الإلهي ، فإن معناه في غاية البيان ، ولشدة وضوحه خفي ، فإنه سر القدر ، ومن وقف على هذه المسئلة لم يعترض على الله في كل ما يقضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم ، ولهذا قال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) فالعبد مجبور في اختياره الذي ينسب إليه ، وهو أصل يشمل كل موجود ، لا أحاشي موجودا من موجود ـ نسبة الاختيار إلى الحق تعالى ـ يستحيل عندنا أن ينسب الجواز إلى الله تعالى حتى يقال : يجوز أن يغفر الله لك ويجوز أن لا يغفر الله لك ، ويجوز أن يخلق ويجوز أن لا يخلق ، هذا على الله محال ، لأنه عين الافتقار إلى المرجح لوقوع أحد الجائزين ، وما ثمّ إلا الله ، وأصحاب هذا المذهب قد افتقروا إلى ما التزموه من هذا الحكم إلى إثبات الإرادة حتى يكون الحق يرجح بها ، ولا خفاء بما في هذا المذهب من الغلط ، فإنه يرجع الحق محكوما عليه بما هو زائد على ذاته ، وهو عين ذات أخرى ، وإن لم يقل فيها صاحب هذا المذهب إن تلك الذات