الزائدة عين الحق ولا غير عينه ، فالذي نقول به : إن هذه العين المخلوقة من كونها ممكنة تقبل الوجود وتقبل العدم ، فجائز أن تخلق فتوجد ، وجائز أن لا تخلق فلا توجد ، فإذا وجدت فبالمرجّح وهو الله ، وإذا لم توجد فبالمرجّح وهو الله ، يستقيم الكلام ويكون الأدب مع الله أتم ، بل هو الواجب أن يكون الأمر كما قلنا ، وأما احتجاجهم بقوله : (لَوْ شاءَ اللهُ) و (لَوْ أَرادَ اللهُ) فهو عليهم هذا الاحتجاج لا لهم ، لزومية أن لو حرف امتناع لامتناع ولو لا حرف امتناع لوجود ، فالإمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر الاختيار في المرجّح والذي عند المرجّح أمر واحد ، وهو أحد الأمرين لا غير ، فما ثمّ بالنظر إلى الحق إلا أحدية محضة لا يشوبها اختيار ، ألا تراه يقول تعالى : لو شاء كذا لكان كذا ؛ فما شاء فما كان ذلك ، فنفى عن نفسه تعلق المشيئة ، فنفى الكون عن ذلك المذكور ، فالاختيار تعلق خاص للذات أثبته الممكن لإمكانه في القبول لأحد الأمرين على البدل ، ولو لا معقولية هذين الأمرين ومعقولية القبول من الممكن ما ثبت للإرادة ولا للاختيار حكم ، فإن المشيئة الإلهية ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء ، ولا تزال الأشياء على حكم واحد معيّن من الحكمين ، فمشيئة الحق في الأمور عين ما هي الأمور عليه فزال الحكم ، فإن المشيئة إن جعلتها خلاف عين الأمر فإما أن تتبع الأمر وهو محال ، وإما أن يتبعها الأمر ، وهو محال ، وبيان ذلك أن الأمر هو أمر لنفسه كان ما كان ، فهو لا يقبل التبديل ، فهو غير مشاء بمشيئة ليست عينه ، فالمشيئة عينه ، فلا تابع ولا متبوع ، فتحفظ من الوهم ، فمحال على الله الاختيار في المشيئة ، لأنه محال عليه الجواز ، لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر ، فهو المرجح لذاته ، فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ، ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجّحا ، ولذلك أقول بالحكم الإرادي لكني لا أقول بالاختيار ، فإن الخطاب بالاختيار الوارد إنما ورد من حيث النظر إلى الممكن معرى عن علته وسببيته ـ نصيحة ـ لا يثبت العبد لنفسه ما نفاه الحق عنه ، ويختار ما لم يختره له الحق.
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٧٠)