حزنه ، وإن كان دون ذلك كان الحزن والترح بحسبه ـ الوجه الثاني ـ الحزن إذا فقد من القلب في الدنيا خرب لحصول ضده ، إذ لا يخلو ، والدار الدنيا لا تعطي الفرح لما فيه من نفي المحبة الإلهية عمن قام به ، فلا يزال الحزن دائما أبدا ، وهو مقام مستصحب للعبد ما دام مكلفا وفي الآخرة ما لم يدخل الجنة ، فإنه ليس في الوسع الإمكاني تحصيل جملة الأمر ، فلا بد من فوت فلا بد من حزن.
الحزن مركبه صعب وغايته |
|
ذهابه فولّي الله من حزنا |
قلب الحزين هنا تقوى قواعده |
|
هناك والغرض المقصود منك هنا |
دار التكاليف دار ما بها فرح |
|
فالله ليس يحب الفارح اللسنا |
(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٧٧)
(وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) الإحسان الذي يسمى به العبد محسنا هو أن يعبد الله كأنه يراه ، أي يعبده على المشاهدة ، وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم ، فشهوده لكل شيء هو إحسانه ، فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك ، فكل حال ينتقل فيه العبد فهو من إحسان الله ، إذ هو الذي نقله تعالى ، ولهذا سمي الإنعام إحسانا ، فإنه لا ينعم عليك بالقصد إلا من يعلمك ، ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن على الدوام ، فإنه يراك على الدوام لأنه يعلمك دائما ، ولما كان سعي الإنسان في حق الغير إنما يسعى لنفسه في نفس الأمر ، لذا أمر بالإحسان ، فما زاد على ما يقوتك ويقوت من كلفك الله السعي عليه مما فتح الله به عليك فأوصله إنعاما منك إلى من شئت ، ممن تعلم منه أنه يستعمله في طاعة الله ، فإن جهلت فأوصله إلى من شئت ، فإنك لن تخيب من فائدته من كونك منعما بما سمي ملكا لك ، فأنت فيه كربّ النعمة ، فأنت نائبه وخليفته ، وقد رزق النبات والحيوان والطائع والعاصي ، فكن أنت كذلك ، وتحرى الطائع جهد استطاعتك ، فإن ذلك أوفر لحظك وأعلى ، وفي حقك أولى وأثنى (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) الفساد هنا المراد به تغيير الحكم الإلهي ، لا تغيير العين ولا إبدال الصورة.