وحقيقته ، وليس إلا وجود الحق الذي ظهر به لنفسه. (لَهُ الْحُكْمُ) أي لذلك الشيء الحكم في الوجه ، فتختلف عليه الأحكام باختلاف الصور (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في ذلك الحكم ، أي إلى ذلك الشيء يرجع الحكم الذي حكم به على الوجه ، فما ثم إلا هلاك وإيجاد في عين واحدة ، ومن هذه الآية لا نثبت إطلاق لفظ الشيئية على ذات الحق ، لأنها ما وردت ولا خوطبنا بها ، والأدب أولى ، (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا هو التوحيد الرابع والعشرون في القرآن ، وهو توحيد الحكم بالتوحيد الذي إليه رجوع الكثرة إذ كان عينها ، وهو توحيد الهوية (لَهُ الْحُكْمُ) وهو القضاء (وَإِلَيْهِ) الضمير في إليه يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور ، فالقضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم الإلهي على الأشياء (تُرْجَعُونَ) أي إلى القضاء.
(٢٩) سورة العنكبوت مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢)
لما ادعى المؤمن الإيمان بوجود الله وأحديته ، وأنه لا إله إلا هو ، وأن كل شيء هالك إلا وجهه ، وأن الأمر لله من قبل ومن بعد ، فلما ادعى بلسانه أن هذا مما انطوى عليه جنانه ، وربط عليه قلبه ، احتمل أن يكون صادقا فيما ادعاه أنه صفة له ، ويحتمل أن يكون كاذبا في أنه صفة له ، فاختبره الله لإقامة الحجة له أو عليه بما كلفه به من عبادته على الاختصاص ، لا العبادة السارية بسريان الألوهية ، ونصب له وبين عينيه الأسباب ، وأوقف ما تمس حاجة هذا المدعي على هذه الأسباب ، فلم يقض له بشيء إلا منها وعلى يديها ، فإن رزقه الله نورا يكشف به ويخترق به سدف الأسباب ، فيرى الحق تعالى من ورائها مسببا اسم فاعل ، أو يراه خالقا وموجدا لحوائجه التي اضطره إليها ، فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه وبينة من أمره ، الصادق في دعواه ، الموفي حق المقام الذي ادعاه ، بالعناية الإلهية التي أعطاه ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ، قال بألوهية الأسباب التي رزقه الله منها ، وجعلها