حجابا بينه وبين الله ، فأضاف الألوهة إلى غير مستحقها ، فكذب في دعواه لكثرة الأسباب ، والذي لم يقل بنسبة الألوهة للأسباب لكنه لم ير إلا الأسباب وما حصل له من الكشف ما يخرجه منها مع توحيد الألوهية ، كان ذلك شركا خفيا لا يشعر به صاحبه أنه مشرك.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣)
الفتنة هي الاختبار ، وأصل هذا ما ركب فيهم من الدعاوى ، فجعل ما ابتلاهم به ليعلم الله الصادق في دعواه من الكاذب ، ابتلاء من الله لعباده الذين ادعوا الإيمان به بألسنتهم.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٤)
وجه ـ أي يسبقون بسيئاتهم مغفرتي وشمول رحمتي ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بل السبق لله بالرحمة لهم ، هذا غاية الكرم ، وهذا لا يكون إلا في الطائفة التي تقول بإنفاذ الوعيد فيمن يموت على غير توبة ، فإذا مات العاصي تلقته رحمة الله في الموطن الذي يشاء الله أن تلقاه فيه ، فإن الإنسان إذا عصى فقد تعرض للانتقام والبلاء ، وأنه جار في شأو الانتقام بما وقع منه ، وأن الله يسابقه في هذه الحلبة من حيث ما هو غفار وعفو ومتجاوز ورحيم ورؤوف ، فالعبد يسابق بالمعاصي والسيئات الحق تعالى إلى الانتقام ، والحق أسبق فيسبق إلى الانتقام قبل وصول العبد بالسيئات إليه فيجوزه بالغفار وأخواته من الأسماء ، فإذا وصل العبد إلى آخر الشأو في هذه الحلبة وجد الانتقام قد جاوزه الغفار ، وحال بينه وبين العصاة ، وهم كانوا يحكمون على أنهم يصلون إليه قبل هذا ، ومن هذا يعلم جهل الإنسان عند مسابقته لله ، فإنه عمل في غير معمل ، وطمع في غير مطمع ، ومن كان في هذه الحال فلا خفاء بجهله لو عقل نفسه.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦)