اعلم أن الذات غنية عن العالمين ، الملك ما هو غني عن الملك إذ لو لا الملك ما صح اسم الملك ، فالمرتبة تعطي التقييد لا ذات الحق فالمخلوق كما يطلب الخالق من كونه مخلوقا ، كذلك الخالق يطلب المخلوق من كونه خالقا ، لأنه لا يصح اسم الخالق وجودا وتقديرا إلا بالمخلوق وجودا وتقديرا ، وكذلك كل اسم إلهي يطلب الكون ، مثل الغفور والمالك والشكور والرحيم وغير ذلك من الأسماء ، ولما كان الحق من كونه إلها مرتبطا بالمألوه ارتباط السيادة بوجود العبد ، فيلزم من حقيقة هذا الارتباط عقلا ووجودا تصور المتضايفين ، ولما لم يكن بين الحق والخلق مناسبة ولا إضافة ـ بل هو الغني عن العالمين ، فلا يكون ذلك إلا لذات الحق ـ فلا يربطها كون ، ولا تدركها عين ، ولا يحيط بها حد ، ولا يفيدها برهان ، وجدانها في العقل ضروري ، كما أن صفات التعلق التي تدخلها تحت القيد نظري (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فإن العالمين من العلامة ، والعلامة لا تدل إلا على محدود ، فالعالم لا يدل على العلم بذاته تعالى وإنما يدل على وجوده.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨)
ـ إشارة لا تفسير ـ لا تقف مع السبب الذي أوجدك وقرب منك حسا ، بل كن مع الذي أشهدك وأوجدك حقيقة ، ولا تكن ممن يعرف الله بواسطة السبب ، وإلى هذا ينظر قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) أي تنظرهما فتنحجب بهما في الإيجاد الطبيعي (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) فإن كان لك بهما علم أنهما سببية ، فأثبتهما واشكرهما.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ