اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠)
اعلم أن الذات الإلهية منزهة عن أن يكون لها بعالم الكون والخلق والأمر مناسبة أو تعلق بنوع ما من الأنواع ، لأن الحقيقة تأبى ذلك ، مع كون أصل الأشياء كلها وجود الحق تعالى ، إذ لو لم يكن هذا الأصل الإلهي موجودا ، والحق المخلوق به معقولا ، لما صح هذا الفرع المحدث الكائن بعد أن لم يكن ، ولما تصور ، فإذا نظرنا العالم على ما هو عليه ، وعرفنا حقيقته ومورده ومصدره ، ونظرنا ما الحاكم المؤثر في هذا العالم ، نجد أن الأسماء الحسنى ظهرت في العالم كله ظهورا لا خفاء به كليا ، وحصلت فيه آثارها وأحكامها لا بذواتها ولكن بأمثالها لا بحقائقها لكن برقائقها.
إيجاز البيان بضرب من الإجمال : بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية ، ولا أين يحصرها لعدم التحيز ـ ومم وجد؟ وجد من الحقيقة المعلومة التي لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ـ وفيم وجد؟ في الهباء ـ وعلى أي مثال وجد؟ على الصورة المعلومة في نفس الحق ـ ولم وجد؟ لإظهار الحقائق الإلهية ، فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء ، فإن قدرة بلا مقدور ، وجودا بلا عطاء ، ورزّاقا بلا مرزوق ، ومغيثا بلا مغاث ، ورحيما بلا مرحوم ، حقائق معطلة التأثير ـ وما غايته؟ التخلص من المزجة فيعرف كل عالم حظه من منشئه من غير امتزاج ، فغايته إظهار حقائقه ، ومعرفة أفلاك الأكبر من العالم وهو ما عدا الإنسان ، والعالم الأصغر يعني الإنسان ، روح العالم وعلته وسببه