فعدم محض لا يعلم ولا يجهل ولا هو متعلق بشيء ، فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه الأشياء الثلاثة منها ما يتصف بالوجود لذاته فهو موجود بذاته في عينه لا يصح أن يكون وجوده عن عدم ، بل هو مطلق الوجود لا عن شيء فكان يتقدم عليه ذلك الشيء ، بل هو الموجد لجميع الأشياء وخالقها ومقدرها ومفصلها ومدبرها ، وهو الوجود المطلق الذي لا يتقيد سبحانه ، وهو الله الحي القيوم العليم المريد القدير الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ومنها موجود بالله تعالى وهو الوجود المقيد المعبر عنه بالعالم : العرش والكرسي والسموات العلى وما فيها من العالم والخلق والأرض وما فيها من الدواب والحشرات والنبات وغير ذلك من العالم ، فإنه لم يكن موجودا في عينه ثم كان ، من غير أن يكون بينه وبين موجده زمان يتقدم به عليه فيتأخر هذا عنه ، فيقال فيه : بعد أو قبل ، هذا محال ؛ وإنما هو متقدم بالوجود كتقدم أمس على اليوم ، فإنه من غير زمان لأنه نفس الزمان ، فعدم الزمان لم يكن في وقت ، لكن الوهم يتخيل أن بين وجود الحق ووجود الخلق امتدادا ، وذلك راجع لما عهده في الحس من التقدم الزماني بين المحدثات وتأخره ، وأما الشيء الثالث فما لا يتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم ، وهو مقارن للأزلي الحق أزلا فيستحيل عليه أيضا التقدم الزماني على العالم والتأخر ، كما استحال على الحق وزيادة لأنه ليس بموجود ، فإن الحدوث والقدم أمر إضافي يوصل إلى العقل حقيقة ما. وذلك أنه لو زال العالم لم نطلق على الواجب الوجود قديما ، وإن كان الشرع لم يجىء بهذا الاسم أعني القديم وإنما جاء باسمه الأول والآخر ، فإذا زلت أنت لم يقل : أولا ولا آخرا إذ الوسط العاقد الأولية والآخرية ليس ثمّ ، فلا أول ولا آخر ، وهكذا الظاهر والباطن وأسماء الإضافات كلها ، فيكون موجودا مطلقا من غير تقييد بأولية أو آخرية ، وهذا الشيء الثالث الذي لا يتصف بالوجود ولا بالعدم مثله في نفي الأولية والآخرية بانتفاء العالم كما كان الواجب الوجود سبحانه ، وكذلك لا يتصف بالكل ولا بالبعض ، ولا يقبل الزيادة والنقص وأما قولنا فيه كما استحال على الحق وزيادة ، فتلك الزيادة كونه لا موجودا ولا معدوما ، فلا يقال فيه : أول وآخر ، وكذلك لنعلم أيضا أن هذا الشيء الثالث ليس العالم يتأخر عنه أو يحاذيه بالمكان ، إذ المكان من العالم ، وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلك الحياة والحق المخلوق به وكل ما هو عالم من الموجود المطلق ، وعن هذا الشيء الثالث ظهر العالم ، فهذا