ولا بماذا تتميز الموجودات بعضها عن بعض ، فهي متقدمة في العلم ظاهرة في الموجودات ، فإن أطلق عليها تأخر فلتأخر وجود الشخص لا لعينها ، فهي بالنظر إلى ذاتها كلية معقولة لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ، وهي المادة لجميع الموجودات ، فقد ظهرت بكمالها بظهور الموجودات ، وما بقي شيء يوجد بعد. ـ راجع سورة الأنعام آية ٧٣ ، الحجر آية ٨٥ ، سورة النحل آية ٣ ـ «إن في ذلك لآية لقوم يؤمنون».
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) (٤٥)
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) الوجه الأول يعني بصورتها ، فإن التكبيرة الأولى تحريمها ، والسلام منها تحليلها ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، هكذا أخبر تعالى إنباء عن حقيقة لأجل ما فيها من الإحرام ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب تكبيرة الإحرام ، فإنه حرم على المصلي التصرف في غير الصلاة ما دام في الصلاة ، فذلك الإحرام نهاه عن الفحشاء والمنكر ، فإن الإحرام المنع من التصرف في شيء مما يغاير كونه مصليا ، فانته المصلي ، فصح له أجر من عمل بأمر الله وطاعته ، وأجر من انته عن محارم الله في نفس الصلاة وإن كان لم ينو ذلك ، فانظر ما أشرف الصلاة كيف أعطت هذه المسئلة العجيبة!! وهي أن الإنسان إذا تصرف في واجب ، فإن له ثواب من تصرف في واجب ويتضمن شغله بذلك الواجب عدم التفرغ لما نهي عنه أن يأتيه من الفحشاء والمنكر ، فيكون له ثواب من نوى أن لا يفعل فحشاء ولا منكرا ، فإن أكثر الناس تاركون ما لهم هذا النظر ، لعدم الحضور باستحضار الأولى ، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أعطى فائدة في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا تنهى عن غيرها من الطاعات فيها مما لا يخرجك فعله عن أن تكون مصليا شرعا. ـ الوجه الثاني ـ الصلاة فعل العبد ، فهو بصلاته ممن ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فيكون له بالصلاة أجر من ينهى عن الفحشاء والمنكر وهو لم يتكلم فله أجر عبادتين : أجر الصلاة وهي عبادة ، وأجر النهي عن الفحشاء وهو عبادة ، فالصلاة بذاتها تنهى عن (الْفَحْشاءِ) وهو ما ظهر من المخالفة