وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦)
(إِنَّ أَرْضِي) فأضافها إليه أشد إضافة من قوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ) فهي إضافة خاصة ، ثم قال : (واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) يعني فيها ، ومما تعطيه هذه الآية من وجه من الوجوه لطبقة خاصة من المؤمنين أنهم نظروا ما هي أرض الله؟ فقالوا : كل أرض موات لا يكون عليها ملك لغير الله ، فتلك أرضه الخاصة به ، المضافة إليه ، البرئة من الشركة فيها ، البعيدة عن المعمور ، فإن الأرض الميتة القريبة من العمران يمكن أن يصل إليها بعض الناس فيحييها فيملكها بإحيائها ، والبعيدة من العمران سالمة من هذا التخيل ، فقالوا ما أمرنا الله بالعبادة فيها إلا ولها خصوص وصف ، وليس فيها من خصوص الأوصاف إلا كونها ليس فيها نفس لغير الله ، ففيها نفس الرحمن ، فإذا عبد الإنسان ربه في مثل هذه الأرض وجد أنسا من تلك الوحشة التي كانت له في العمران ، ووجد لذة وطيبا في قلبه وانفراده ، وذلك كله من أثر نفس الرحمن الذي نفّس الله به عنه ما كان يجده من الغم والضيق والحرج في الأرض المشتركة ، وهذا ما أدى بعض العباد إلى السياحة ، فرأوا في هذه الأرض من الآيات والعجائب والاعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك هذه الأرض ، فأنار الله قلوبهم بأنوار العلوم ، وفتح لهم في النظر في الآيات ، وهي العلامات الدالة على عظمة من انقطعوا إليه وهو الله تعالى ـ تفسير من باب الإشارة ـ ثم لتعلم أيها الأخ الولي أن أرض بدنك هي الأرض الحقيقية الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها ، وذلك لأنه ما أمرك أن تعبده في أرضه إلا ما دام روحك يسكن أرض بدنك ، فإذا فارقها أسقط عنك التكليف مع وجود بدنك في الأرض مدفونا فيها ، فتعلم أن الأرض ليست سوى بدنك ، وجعلها واسعة لما وسعته من القوى والمعاني التي لا توجد إلا في هذه الأرض البدنية الإنسانية ، وأما قوله : (فَتُهاجِرُوا فِيها) فإنها محل للهوى ومحل للعقل ، فتهاجروا من أرض الهوى منها إلى أرض العقل منها ، وأنت في هذا كله فيها ما خرجت عنها ، فإن استعملك هواك أرداك وهلكت ،