وإن استعملك العقل الذي بيده سراج الشرع نجوت وأنجاك الله به ؛ فإن العقل السليم المبرأ من صفات النقص والشبه هو الذي فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمور على ما هي عليه ، فعاملها بطريق الاستحقاق ، فأعطى كل ذي حق حقه ، ومن لم يعبد الله في أرض بدنه الواسعة فما عبد الله في أرضه التي خلقه منها وما دمت في أرض بدنك الواسعة مع وجود عقلك وسراج شرعك فأنت مأمور بعبادة ربك ، فهذه الأرض البدنية لك على الحقيقة أرض الله الواسعة التي أمرك أن تعبده فيها إلى حين موتك ، وهو قوله تعالى : «قل (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ـ إشارة ـ لما خلق الله أرض بدنك جعل فيها كعبة وهو قلبك ، وجعل هذا البيت القلبي أشرف البيوت في المؤمن ، فأخبر أن السموات وفيها البيت المعمور ، والأرض وفيها الكعبة ، ما وسعته وضاقت عنه ، ووسعه هذا القلب من هذه النشأة المؤمنة ، والمراد هنا بالسعة العلم بالله سبحانه ، فهذا يدلك على أنها الأرض الواسعة ، وأنها أرض عبادتك ، فتعبده كأنك تراه من حيث بصرك ، لأن قلبك محجوب أن يدركه بصرك ، فإنه في الباطن منك ، فتعبد الله كأنك تراه في ذاتك كما يليق بجلاله ، وعين بصيرتك تشهده ، فإنه ظاهر لها ظهور علم ، فتراه بعين بصيرتك ، وكأنك تراه من حيث بصرك ، فتجمع في عبادتك بين الصورتين ، بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال ، وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال ، فتعبده مطلقا ومقيدا ، وليس ذلك لغير هذه النشأة ، فلهذا جعل هذه النشأة المؤمنة حرمه المحرّم ، وبيته المعظم المكرم ، فكل من في الوجود يعبد الله على الغيب إلا الإنسان الكامل المؤمن ، فإنه يعبده على المشاهدة ، ولا يكمل العبد إلا بالإيمان ، فله النور الساطع ، بل هو النور الساطع الذي يزيل كل ظلمة ، فإذا عبده على الشهادة رآه جميع قواه ، فما قام بعبادته غيره ، ولا ينبغي أن يقوم بها سواه ، فما ثمّ من حصل له هذا المقام إلا المؤمن الإنساني ، فإنه ما كان مؤمنا إلا بربه ، فإنه سبحانه المؤمن. واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، وما لك قدم في هذه الدرجة ، فأنا أدلك على ما يحصل لك به الدرجة العليا ، وهو أن تعلم أن الله ما خلق الخلق على مزاج واحد ، بل جعله متفاوت المزاج ، وهذا مشهود بالبديهة والضرورة ، لما بين الناس من التفاوت في النظر العقلي والإيمان ، وقد حصل لك من طريق الحق أن الإنسان مرآة أخيه ، فيرى منه ما لا يراه الشخص من نفسه إلا بواسطة مثله ، واعلم أن المرائي مختلفة الأشكال ،