وأنها تصير المرئي عند الرائي بحسب شكلها من طول وعرض واستواء وعوج واستدارة ، ونقص وزيادة وتعدد ، وكل شيء يعطيه شكل تلك المرآة ، وقد علمت أن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم ، وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه الله في مزاجه من التركيب ، فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ما بعثه الله إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، ولا قبل هو مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج عام يحوي على مزاج كل نبي ورسول ، فهو أعدل الأمزجة وأكملها ، وأقوم النشآت ، فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فاعلم أنك ليس لك ، ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك ، فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها ، وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلىاللهعليهوسلم في العلم بربه في نشأته ، فالزم الإيمان والاتباع ، واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ، فإذا فعلت هذا ، علمت أن الله تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد صلىاللهعليهوسلم في مرآته ، وقد أعلمتك أن المرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ، فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ، لما هي مرآته عليه ، فإذا أدركته في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك ، ألا ترى في باب الإيمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ، ولو لا الشرع والإيمان ما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة ، بل نرده ابتداء ونجهّل القائل به ، فكما أعطاه بالرسالة والإيمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق ، كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم أن تدركه في مرآتها ، وكما آمنت به في الرسالة غيبا ، شهدته في هذا التجلي النبوي عينا ، فقد نصحتك وأبلغت لك النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق إلا في مرآة نبيك صلىاللهعليهوسلم ، واحذر أن تشهده في مرآتك ، أو تشهد النبي وما تجلى في مرآته في مرآتك ، فإنه ينزل بك عن الدرجة العالية ، فالزم الاقتداء والاتباع ، ولا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك ، فضع قدمك على قدمه ، إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، وقد أبلغت لك النصيحة كما أمرت.