رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن [ ج ٣ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن [ ج ٣ ]

رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن

رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن [ ج ٣ ]

المؤلف :محمود محمود الغراب

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :605

تحمیل

شارك

لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده ، وأعيان الموجودات كلها كلمات الحق ، وهي لا تنفد ، فمخلوقاته لا تزال توجد ، ولا يزال خالقا ، ولو لا الضيق والحرج ما كان للنفس الرحماني حكم ، فإن التنفيس هو إزالة عين الحرج والضيق ، والعدم نفس الحرج والضيق ، فإنه يمكن أن يوجد هذا المعدوم ، فإذا علم الممكن إمكانه وهو في حالة العدم كان في كرب الشوق إلى الوجود الذي تعطيه حقيقيته ، ليأخذ نصيبه من الخير ، فنفّس الرحمن بنفسه هذا الحرج فأوجده ، فكان تنفيسه عنه إزالة حكم العدم فيه ، وكل موجود سوى الله فهو ممكن ، فله هذه الصفة ، فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود ، كما أعطى النفس الحروف ، فالعالم كلمات الله من حيث هذا النفس ، كما قال تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) وليست غير عيسى عليه‌السلام ، لم يلق إليها غير ذلك.

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠)

ما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره ، وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، ولما كانت الخلافة ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك ، فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا ، وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ، فلم تعم عبوديته عند رعيته الذين هم أتباعه ، وظهر ملكه بهم وباتباعهم والأخذ عنه ، فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ، وبذلك المقدار يستتر من عبوديته ، لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فكانت هذه الآية دواء لهذه العلة ، وبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ، فإنه موضع تتقى فتنته ، فقال الكامل صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) عن أمر الله ، قيل له : قل ، فقال ، وبهذا علمنا أنه عن أمر الله ، لأنه نقل الأمر إلينا كما نقل المأمور ، وكان هذا القول دواء للمرض الذي قام بمن عبد عيسى عليه‌السلام من أمته ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لنا كثيرا في هذا المقام في حق نفسه وتعليما لنا (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فلم ير لنفسه فضلا علينا ، أي حكم البشرية فيّ حكمها فيكم ،