(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩)
ـ الوجه الأول ـ لما كان سبب الجهاد أفعالا تصدر من الذين أمرنا بقتالهم وجهادهم ، وتلك الأفعال أفعال الله خلقا وتقديرا ، فما جاهدنا إلا فيه لا في العدو ، وإذا لم يكن عدوا إلا بها ، فإذا جاهدنا فيه ، ولكن بامتثال أمره ، قال (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) التي قال فيها : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) يعني السبيل التي لكم فيها السعادة ، وسبيل السعادة هي المشروعة ، فبيّن لنا سبلها ، فندخلها فلا نرى مجاهدا ومجاهدا فيه إلا الله ، فكان قوله تعالى : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي نبين لهم حتى يعلموا فيمن جاهدوا ، فيجاهدون عند ذلك أو لا يجاهدون ، ولذلك تمم الآية بقوله : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإذا رأيته علمت أن الجهاد إنما كان منه وفيه ـ الوجه الثاني ـ الرياضة لنفس الإنسان والمجاهدة لهيكله ، فبالرياضة تهذبت أخلاقه ، وسهل انقياده ، وبالمجاهدة قل فضوله فظهر له ما فيه من الأصول والفروع ، فعلم بالمجاهدة من هو؟ ولمن هو؟ وهذه هي السبل (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) فمن علم أن الهداية إلى سبل الله في الجهاد هرب إلى السلم من الحرب ، ولا يجنح إلى السلم إلا من كان مشهوده ضعفه أو من كانت العين مشهوده ، ولذا قال (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ـ إشارة ـ (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) فأين أنت؟ بعد الجهاد تتضح السبل ، وعند ذلك يكون السلوك عليها ، وهو سفر ، والسفر قطعة من العذاب ، فإنه منتقل من عذاب إلى عذاب ، فلا راحة.
(٣٠) سورة الرّوم مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢)
وفي قراءة غلبت بفتح الغين واللام ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا سمع أن الروم قد ظهرت على فارس يظهر السرور في وجهه ، مع كون الروم كافرين به صلىاللهعليهوسلم ، ولكن الرسول لعلمه