وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧)
(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فعملوا بما علموا (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) فلم يعملوا لها ، فإنه أغفلهم عنها فنسوا آخرتهم وتركوا العمل لها ، ومنهم الفقهاء الذين يعلمون ولا يعملون ، ويقولون بالظاهر ولا يعرفون الباطن ، فإن الرجل الكامل هو الذي أحكم العلم والعمل ، فجمع بين الظاهر والباطن.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨)
اعلم أن الموجودات هي كلمات الله التي لا تنفد ، قال تعالى في وجود عيسى عليهالسلام إنه كلمته ألقاها إلى مريم وهو عيسى ، واعلم أن الله سبحانه ما استوى على عرشه إلا بالاسم الرحمن ، إعلاما بذلك أنه ما أراد بالإيجاد إلا الرحمة بالموجودين ، ولم يذكر غيره من الأسماء ، وذكر الاستواء على أعظم المخلوقات إحاطة من عالم الأجسام ، ولما ذكر الله عن نفسه أن له كلاما ذكر أن له نفسا من الاسم الرحمن الذي به استوى على العرش ، فلما علمنا أن له نفسا وأن له كلاما وأن الموجودات كلماته ، علمنا أن الله ما أعلمنا بذلك إلا لنقف على حقائق الأمور بأنا على الصورة (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فنقبل جميع ما تنسبه الألوهة إليها على ألسنة رسلها وكتبها المنزلة ، فلما عرفنا الله أنه باطن وظاهر ، وله نفس وكلمة وكلمات ، نظرنا ما ظهر من ذلك ، ولم ينسب إلى ذاته النفس وما يحدث عنه؟ فقلنا : عين النفس هو العماء ، فهو نفس المتنفس المقصود بالعبارة عنه ما يتنزل منزلة الريح ، وإنما يتنزل منزلة البخار ، فالنفس هذا حقيقته حيث كان ، فكان عنه العماء ، فكان ربنا قبل خلق الخلق في عماء ، وهو النفس الإلهي ، وأبرز في هذا النفس الإلهي افتتاح الوجود بالكون ، إذ كان ولا شيء معه ، فأوجد العالم وفتح صورته في العماء ، وهو النفس الذي