هو الحق المخلوق به مراتب العالم وأعيانه ، وأبان منازله ، فجعل منه عالم الأجسام وعالم الأرواح ، وجعل في النفس الإلهي علة الإيجاد من جانب الرحمة بالخلق ، ليخرجهم من شر العدم إلى خير الوجود ، فلو تفكر الإنسان في نفسه وفي الصورة التي خلق عليها ، وكونه ذا نفس وحروف وكلمات ، ذا ظاهر وباطن ، وتفكّر في كل ما يتعلق بعلم الحروف وما يتكون عنها من الكلمات ، لعلم أنه الحق وأن الإنسان الكامل أقامه الحق برزخا بين الحق والعالم ، فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقا ، ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقا ، وكما أن الحضرة الإلهية على ثلاث مراتب : باطن وظاهر ، ووسط وهو ما يتميز به الظاهر عن الباطن وينفصل عنه ، وهو البرزخ فله وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر ، كذلك جعل الإنسان على ثلاث مراتب ، عقل وحس وهما طرفان ، وخيال وهو البرزخ الوسط بين المعنى والحس (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فيروا الإنسان الكامل المختصر الظاهر بحقائق الكون كله حديثه وقديمه (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) الثلاث مراتب (إِلَّا بِالْحَقِّ) ـ الوجه الأول ـ وهو نفس الرحمن ؛ ـ الوجه الثاني ـ باعتبار الإنسان هو المخلوق على الصورة الإلهية ، فيكون الإنسان الكامل هو الحق المخلوق به ، أي المخلوق بسببه العالم ، فإن الإنسان أكمل الموجودات وهو الغاية ، ولما كانت الغاية هي المطلوبة بالخلق المتقدم عليها ، فما خلق ما تقدم عليها إلا لأجلها وظهور عينها ، ولو لاها ما ظهر ما تقدمها ، فالغاية هو الأمر المخلوق بسببه ما تقدم من أسباب ظهوره ، وهو الإنسان الكامل ؛ وإنما قلنا : الكامل لأن اسم الإنسان قد يطلق على المشبه به في الصورة ، وهو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان ، ففي الإنسان الكامل قوة كل موجود في العالم وله جميع المراتب ، ولهذا اختص ، ومده بالصورة فجمع بين الحقائق الإلهية وهي الأسماء وبين حقائق العالم ، فإنه آخر موجود ، وما انته لوجوده النفس الرحماني حتى جاء معه بقوة مراتب العالم كله ، فيظهر بالإنسان ما لا يظهر بجزء جزء من العالم ولا بكل اسم اسم من الحقائق الإلهية ، فكان الإنسان أكمل الموجودات ، فكل ما سوى الإنسان خلق إلا الإنسان فإنه خلق وحق (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) كل أمر حادث في الدنيا قيل أجله كذا في الدنيا ، لأن كل ما في الدنيا يجري إلى أجل مسمى فتنتهي فيه المدة بالأجل ، فخاتمة ذلك الشيء ما ينتهي إليه حكمه ، فانتهاء الأنفاس في الحيوان آخر نفس يكون منه عند انتقاله إلى البرزخ ، ثم تنتهي المدة في البرزخ إلى الفصل بينه وبين البعث ،