وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (٢٠)
اعلم أن الحق سبحانه لا يعين لفظا ولا يقيد أمرا إلا وقد أراد من عباده أن ينظروا فيه من حيث ما خصصه وأفرده لتلك الحالة ، أو عيّنه بتلك العبارة ، ومتى لم ينظر الناظر في هذه الأمور بهذه العين فقد غاب عن الصواب المطلوب ، فإن النفوس ما تنبعث وتهتز إلا للآيات الخارقة للعادة. والآيات الإلهية منها معتاد وغير معتاد ، والقرآن قد ورد في الآيات المعتادة كثير ، ومن آياته ، ومن آياته ويذكر أمورا معتادة ، ثم يقول إن في ذلك لآيات ، ولكن لا ترفع العامة بها رأسا لجري العادة لاستيلاء الغفلة وعدم الحضور ..
إذا كانت الآيات تعتاد لم يكن |
|
لها أثر في نفس كل جهول |
وما لم تكن تعتاد فهي لديهمو |
|
إذا نظروا فيها أدل دليل |
وأما فحول القوم لا فرق عندهم |
|
لقد خصصوا منها بأقوم قيل |
إذا جاءت الآيات تترى تراهمو |
|
سكارى لها خوفا بكل سبيل |
فسبحان من أحياهمو واصطفاهمو |
|
وإنهمو فينا أقل قليل |
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أعلم أن الزوجة مخلوقة من عين الزوج ونفسه (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) المودة المجعولة بين الزوجين هو الثبات على النكاح الموجب للتوالد ، والرحمة المجعولة هو ما يجده كل واحد من الزوجين من الحنان إلى صاحبه فيحن إليه ويسكن ، فمن حيث المرأة حنين الجزء إلى كله ، والفرع إلى أصله ، والغريب إلى وطنه ، وحنين الرجل إلى زوجته حنين الكل إلى جزئه ـ لأنه به يصح عليه اسم الكل ، وبزواله لا يثبت له هذا الاسم ـ وحنين الأصل إلى الفرع لأنه يمده ، فبالمودة والرحمة طلب الكل جزأه ، والجزء كله ، فالتحما فظهر عن ذلك الالتحام أعيان الأبناء ، وجعل الله ذلك آية ، أي علامة ودليلا لقوم يتفكرون ، فقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ