يَتَفَكَّرُونَ) فإن من الآيات ما تغمض بحيث لا يدركها إلا من له التفكر السليم ، فيعلمون أنه الحق ، وفائدة هذا التفكر أن الإنسان إذا تزوج المرأة ووجد السكون إليها وأن الله جعل بينهما المودة والرحمة علم أن الله يريد التحامهما ، فإذا ارتفع السكون من أحدهما إلى صاحبه أو منهما وزالت المودة ـ وهي ثبوت هذا السكون وبهذا سمي الود حبا لثبوته ـ وزالت الرحمة من بينهما أو من أحدهما بصاحبه فأعرض عنه ، فيعلم أن الله قد أراد طلاقهما ، وما يعرف ما قلناه إلا أهل التفكر من عباد الله ، فإن الله ما جعله آية إلا لهم ، هذا المقصود بالتفكر هنا ، لأن التفكر في ذات الله محال ، فلا يبقى إلا التفكر في الكون ، ومتعلق الفكرة الأسماء الحسنى وسمات المحدثات ـ لطيفة ـ اعلم أن الجمال العرضي حجاب على الجمال المطلق ، والحسن البديع الفائق المحقق ، القائم بذات الحق ، الذي لا يتقيد بالوقت ، ولا يدرك بالنعت فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) فتعشقت نفسها بنفسها ، حتى لا تتعلق بغير جنسها ، فكان يذهب عنها ما كان لها من العز بالأمس ، من حسن التقويم والنظام ، ويظهر التيه عليها ممن نقص عن مقامها ، وتقاصر عن تمامها ، فبقيت بذلك عزتها عليها موقوفة ، وهمم غير جنسها إليها بالخدمة مصروفة. لذلك قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فمن انحجب عن هذه الأرواح المجسدة بهذا الحجاب عن هذا الجمال ، لم يزل في سفال العوال ، ومن لم ينحجب به صح له المقام العال :.
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢)
(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) التي جعل الله فيها من الآيات في خلقه ، فكان منها التشاجر الموجود في العالم لاختلاف الألسنة والألوان ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ).
(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣)