الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٤)
للعقل نور يدرك به أمورا مخصوصة ، وللإيمان نور به يدرك كل شيء ما لم يقم مانع ، فبنور العقل تصل إلى معرفة الألوهية وما يجب لها وما يستحيل ، وما يجوز منها فلا يستحيل ولا يجب ، وبنور الإيمان يدرك العقل معرفة الذات وما نسب الحق إلى نفسه من النعوت ، فإن للعقول حدا تقف عنده من حيث ما هي مفكرة لا من حيث ما هي قابلة ، فنقول في الأمر الذي يستحيل عقلا : قد لا يستحيل نسبة إلهية كما نقول فيما يجوز عقلا : يستحيل نسبة إلهية.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧)
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إن الله هو المبدىء ، فهو يبدىء كل شيء خلقا ، ثم يعيده أي يرجع الحكم إليه بأن يخلق ، فقوله : (يُعِيدُهُ) أي يعيد الخلق أي يفعل في العين التي يريد إيجادها ما فعل فيمن أوجدها ، وليس إلا الإيجاد ، فإن الخلق يراد به المخلوق في موضع مثل قوله : (هذا خَلْقُ اللهِ) ويراد به الفعل مثل قوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ) فقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إنما يراد به هنا الفعل لا المخلوق ، فإن عين المخلوقات ما زالت من الوجود من قوله : (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) وأعني به الذات القائمة بنفسها ، وإنما انتقلت من الدنيا إلى البرزخ ، كما تنتقل من البرزخ إلى الحشر إلى الجنة أو إلى النار ، وهي هي من حيث جوهرها ، لا أنها عدمت ثم وجدت ، فتكون الإعادة في حقها ، فهو انتقال من وجود إلى وجود ، من مقام إلى مقام ، من دار إلى دار ، لأن النشأة التي تخلق عليها في الآخرة ما تشبه نشأة الدنيا إلا في اسم النشء ، فنشأة الآخرة