ابتداء ، فلو عادت هذه النشأة لعاد حكمها معها ، لأن حكم كل نشأة لعينها ، وحكمها لا يعود فلا تعود ، والجوهر عينه لا غيره ، موجود من حين خلقه الله لم ينعدم ، فإن الله يحفظ عليه وجوده بما يخلق فيه مما به بقاؤه ، فالإعادة إنما هي في كون الحق يعود إلى الإيجاد بالنظر إلى حكم ما فرغ من إيجاده من هذا المخلوق ، فكلما فرغ ابتداء عاد إلى حكم الابتداء ، هذا حكم إلهي لا يزول ، فحكم الإعادة ما خرج حكمها عن الحق ، فحكمها فيه لا في الخلق الذي هو المخلوق ، فالعالم بعد وجوده ينتقل في أحوال جديدة يخلقها الله له ، فلا يزال الحق يخلق ويعود إلى الخلق فيخلق (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) وليس هذا الهين عن صعوبة في الابتداء ، ولهذا القول بالمفهوم ضعيف في الدلالة ، لأنه لا يكون حقا في كل موضع (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ الوجه الأول ـ هو قوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ابتداء ، وإعادتهم أهون من ابتدائهم ، وابتداؤهم أهون من خلق السموات والأرض ـ الوجه الثاني ـ (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) في التجلي الصوري (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما ثمّ إلا سماء وأرض ، وله المثل الأعلى ، فله صورة في كل سماء وأرض (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يرى من حيث هويته (الْحَكِيمُ) في تجليه حتى يقال إنه رئي.
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨)
(تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي كخيفتكم أمثالكم ، لا عين نفس الخائف.
(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩)
فحرمان الجهل أوقع بهم.