(وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) لم يقيد الحق مؤمنا من مؤمن ، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين ، ولم يقل بمن ، بل أرسلها مطلقة وجلاها محققة ، فالمؤمنون في كلام الله نوعان وهم الكافرون ، فنوع آمن بالله وكفر بالطاغوت وهو الباطل فهم أهل الجنة المعبر عنهم بالسعداء ، والنوع الآخر آمن بالباطل وكفر بالله وهو الحق فهم أهل النار المعبر عنهم بالأشقياء ، فقال عزوجل في حق السعداء (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) وهؤلاء هم الذين حق على الله نصرهم ، والألف واللام للعهد والتعريف ، وقال تعالى في حق الأشقياء (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ولكن قد أطلق الحق نصرته هنا للمؤمنين ولم يخصص ، وهنا سر من أسرار الله تعالى في ظهور المشركين على المؤمنين في أوقات ، فتدبره تعثر عليه إن شاء الله ، فما ورد حتى نؤمن به ، إلا أن الإيمان إذا قوي في صاحبه بما كان ، فله النصر على الأضعف ، والميزان يخرج ذلك ، وقولي هذا ما كان لقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) فسماهم مؤمنين ، ولكن تحقق في إيمانهم بالباطل أنهم ما آمنوا به من كونه باطلا ، وإنما من كونهم اعتقدوا فيه ما اعتقد أهل الحق في الحق ، فمن هنا نسب الإيمان إليهم ، وبما هو في نفس الأمر على غير ما اعتقدوه سماه الحق لنا باطلا ، لا من حيث ما توهموه ، فالنصر أجر الإيمان لذاته ، ولكن يقتضيه المؤمن وهو الذي صفته الإيمان ، وهو سبحانه وفيّ ، فلا بد من نصر الإيمان ، ولا يظهر ذلك إلا في المؤمن ، والمؤمن لا يتبعض فيه الإيمان ، فاعلم ذلك ، وكل من تبعض فيه الإيمان لأجل تعداد الأمور التي يؤمن بها ، فآمن المؤمن ببعضها وكفر ببعضها فليس بمؤمن ، فما خذل إلا من ليس بمؤمن ، فإن الإيمان حكمه أن يعم ولا يخص ، فلما لم يكن له وجود عين في الشخص لم يجب نصره على الله ، فإذا ظهر الكافر على المؤمن في صورة الحكم الظاهر ، فليس ذلك بنصر الكافر عليه ، وإنما الذي يقابله لما ولّى ، وأخلى له موضعه ، ظهر فيه الكافر ، وهذا ليس بنصر ، وإذا جعلت الألف واللام في نصر المؤمنين للجنس ، فمن اتصف بالإيمان فهو منصور ، ومن هنا يظهر المؤمنون بالباطل في أوقات على الكافرين بالطاغوت ، فيجعلون ذلك الظهور نصرا ، لأن النصر عبارة عمّن ظهر على خصمه ، فمن جعل الألف واللام للجنس جعل إيمان أهل الباطل بالباطل أقوى من إيمان أهل الحق بالحق ، فالمؤمن من لا يولي الدبر ويتقدم ويثبت حتى يظفر أو يقتل ، ولهذا ما