فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن الله ، ومن هنا نكون في راحة مع الله إذا كانت الغلبة للكافرين على المسلمين ، فتعلم أن إيمانهم تزلزل ودخله الخلل ، وأن الكافرين فيما آمنوا به من الباطل والمشركين لم يتخلخل إيمانهم ولا تزلزلوا فيه ، فالنصر أخو الصدق حيث كان تبعه ، ولو كان خلاف هذا ما انهزم المسلمون قط ، كما أنه لم ينهزم نبي قط ، وأنت تشاهد غلبة الكفار ونصرتهم في وقت ، وغلبة المسلمين ونصرتهم في وقت ، والصادق من الفريقين لا ينهزم جملة واحدة ، بل لا يزال ثابتا حتى يقتل أو ينصرف من غير هزيمة ، ومن تفسير هذه الآية بوجه عام أن الموحد إذا أخلص في إيمانه وثبت نصر على قرنه بلا شك ، فإذا طرأ عليه خلل ولم يكن مصمت الإيمان وتزلزل خذله الحق ، وما وجد في نفسه قوة يقف بها لعدوه من أجل ذلك الخلل فانهزم ، فلما رآه عدوه منهزما تبعه وظهرت الغلبة للعدو على المؤمن ، فما نصر الله العدو وإنما خذل المؤمن لذلك الخلل الذي داخله ، فلما خذله لم يجد مؤيدا فانهزم بالضرورة يتبعه عدوه ، فما هو نصر للعدو وإنما هو خذلان للمؤمن لما ذكرناه. وأما من جهة التحقيق في هذه الآية فإنه لما تقرر في نفس المشرك أن الحجر أو الكوكب أو ما كان من المخلوقات أنه إله ، وهو مقام محترم لذاته ، تعيّن على المشرك احترام ذلك المنسوب إليه ، لكون المشرك يعتقد أن تلك النسبة إليه صحيحة ولها وجه ، ولما علم سبحانه أن المشرك ما احترم ذلك المخلوق إلا لكونه إلها في زعمه ، نظر الحق إليه لأنه مطلوبه ، فإذا وفّى بما يجب لتلك النسبة من الحق والحرمة ، وكان أشد احتراما لها من الموحد ، وتراءى الجمعان كانت الغلبة للمشرك على الموحد ، إذ كان معه النصر الإلهي لقيامه بما يجب عليه من الاحترام لله وإن أخطأ النسبة ، وقامت الغفلة والتفريط في حق الموحد فخذل ، ولم تتعلق به الولاية لأنه غير مشاهد لإيمانه ، إذ يقول تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) وإنما قاتل ليقال ، فما قاتل لله ، فأي شخص صدق في احترام الألوهية واستحضرها وإن أخطأ في نسبتها ولكن هي مشهوده كان النصر الإلهي معه ، فما جعل الله نصره واجبا عليه للموحد ، وإنما جعله للمؤمنين بما ينبغي للألوهية من الحرمة ووفّى بها ، فالمؤمن منصور بلا شك غير مخذول ، فمن خذل فلينظر من أين خذل ، فسيعدم من ذلك الأين الإيمان فإن قوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) قول صدق.