(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (١٢)
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) وهنا تظهر عناية الله بعبده إذا أنزل كل حكمة في موضعها.
(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣)
لما علم لقمان أن الشرك ظلم عظيم للشريك مع الله أوصى بها ابنه ، فإن الله آتاه الحكمة ، وتصغير لقمان اسم ابنه تصغير رحمة ، ولهذا وصاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك فقال (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وما ظهر هذا الظلم العظيم من موجود إلا من هذا النوع الإنساني ، فإنه تقع أمور كثيرة يعظم في النفوس قدرها بحيث لا تتسع النفس لغيرها ، ولا سيما في الأمور الهائلة التي تؤثر الخوف في النفوس ، ومنها الشرك بالله ، فقال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) في نفس الموحد ، يشاهد عظمته في نفس المشرك لا في نفسه ، فيشاهده ظلمة عظيمة ، والمشركون هم الذين يجعلون مع الله إلها آخر ، وهو الظلم العظيم الذي ظلموا به هذا المقول عليه إنه إله مع الله ، فظلموا الله في وحدانية الألوهية له ، وظلموا الشريك في نسبة الألوهية إليه ، فاتخاذ الشريك من مظالم العباد ؛ فإن من اتّخذ إلها من غير دعوى منه ، بل هو في نفسه عبد غير راض بما نسب إليه ، وعاجز عن إزالة ما ادّعي فيه ، فإنه مظلوم حيث سلب عنه هذا المدعي ما يستحقه ، وهو كونه عبدا ، فظلمه ، فينتصر الله له لا لنفسه ، فيأخذ الله المشركين بظلم الشريك لا بظلمه في أحديته ، فإن الذي جعلوه شريكا يتبرأ منهم يوم القيامة ، حيث تظهر الحقوق إلى أربابها المستحقين لها.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (١٤)