(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (١٦)
ينبه الحق بهذه الآية على أن الرزق مضمون ، لا بد أن يوصله للعبد ، فإن رزقه ورزق عياله لا بد أن يأت به الله ، قال صلىاللهعليهوسلم : [لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها] كما أنه لن تموت نفس حتى يأتيها أجلها المسمى ، وسواء كان الرزق قليلا أو كثيرا ، فيقول لقمان لابنه : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) أي أينما كانت مثقال هذه الحبة من الخردل لقلتها بل خفائها (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أي عند ذي قلب قاس لا شفقة له على خلق الله ، قال تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) روي في النبوة الأولى أن لله تعالى تحت الأرض صخرة صماء ، في جوف تلك الصخرة حيوان لا منفذ له في الصخرة ، وأن الله قد جعل له فيها غذاء ، وهو يسبح الله ويقول : سبحان من لا ينساني على بعد مكاني ؛ يعني من الموضع الذي تأتي منه الأرزاق ، لا على بعد مكانها من الله (أَوْ فِي السَّماواتِ) بما أودع الله في سباحة الكواكب في أفلاكها من التأثيرات في الأركان لخلق أرزاق العالم أو الأمطار أيضا ، فإن السماء في لسان العرب : المطر ، قال الشاعر : إذا سقط السماء بأرض قوم ؛ يعني بالسماء هنا المطر (أَوْ فِي الْأَرْضِ) بما فيها من القبول والتكوين للأرزاق ، فإنها محل ظهور الأرزاق ، كذلك الكوكب يسبح في الفلك وعن سباحته يكون ما يكون في الأركان الأمهات من الأمور الموجبة للولادة ، فأينما كان مثقال هذه الحبة (يَأْتِ بِهَا اللهُ) ولم يقل يأت إليها ، ومن هذا يستدل أن صاحب الرزق من يأكله لا من يجمعه ، فإن الله يأتي به ، فهو تعالى الآتي برزقك إليك حيث كنت وكان رزقك ، فهو يعلم موضعك ومقرك ويعلم عين رزقك (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) أي هو أخفى أن يعلم ويوصل إليه ـ أي إلى العلم به ـ من حبة الخردل (خَبِيرٌ) للطفه بمكان من يطلب تلك الخردلة منه ، لما له من الحرص على دفع ألم الفقر عنه ، فإن الحيوان ما يطلب الرزق إلا لدفع الآلام لا غير ـ تنبيه ـ نبهنا الله بهذا التعريف لتأتيه أنت بما كلفك أن تأتيه به ، فإنك ترجوه فيما تأتيه به ولا يرجوك فيما أتاك به ، فإنه غني عن العالمين وأنت من الفقراء إليه ، فإتيانك إليه بما