فإن العبادة لا تصح من غير شهود ، وإن صح العمل فالعمل غير العبادة ، فإن العبادة ذاتية للخلق ، والعمل عارض من الحق عرض له ، فتختلف الأعمال منه وفيه والعبادة واحدة العين (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي التي لا تتصف بالانخرام ، فكان عمل العبد في مقام الشهود من حيث قوله تعالى : [كنت سمعه وكنت بصره وكنت يده] وقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فأرجع الحق هذا التفصيل كله إلى عين واحدة فقال : (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).
(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦)
(إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي المثنى عليه بالغنى ، لأن صفة الغنى لا شيء أعلى منها ، وهي صفة ذاتية للحق تعالى.
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧)
سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا : إنا أوتينا التوراة فيها موعظة وتفصيل كل شيء ، فلا حاجة إلى ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فأنزل الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) الآية ، أي لو كان كلّ ما في الأرض من الأشجار تفيد من كلام الله تعالى ما أفادته شجرة موسى صلىاللهعليهوسلم ما نفدت كلمات الله ولا حصل الاستغناء عنها. واعلم أن الممكنات هي كلمات الله التي لا تنفد ، وهي تحدث أي تظهر دائما ، فالوجود والإيجاد لا يزال دائما ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا. وليست كلمات الله سوى صور