الممكنات وهي لا تتناهى ، وما لا يتناهى لا ينفد ولا يحصره الوجود ، من حيث ثبوته لا ينفد ، فإن خزانة الثبوت لا تعطي الحصر ، فإنه ليس لاتساعها غاية تدرك ، فكلما انتهيت في وهمك في اتساعها إلى غاية فهو من وراء تلك الغاية ، ومن هذه الخزانة تظهر كلمات الله في الوجود على التتالي والتتابع أشخاصا بعد أشخاص ، وكلمات إثر كلمات ، والبحار والأقلام من جملة الكلمات ، والمادة التي ظهرت فيها كلمات الله التي هي العالم هي نفس الرحمن ، ولهذا عبّر عنه بالكلمات ، فقيل في عيسى عليهالسلام : إنه كلمة الله ، وصدرت هذه الكلمات عن تركيب يعبر عنه في اللسان العربي بلفظة كن ، فكلمات الله كلها عن كلمة الله كن ، وعنها تنشأ الكائنات ، وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له كن ، وجاء بلفظة كن لأنها لفظة وجودية ، فنابت مناب جميع الأوامر الإلهية ، فتظهر أعيان الكلمات وهو المعبر عنها بالعالم بكلمة كن ، فالكلمة ظهورها في النفس الرحماني ، والكون ظهورها في العماء ، فيما هو للنفس يسمى كلمة وأمرا ، وبما هو في العماء يسمى كونا وخلقا وظهور عين ؛ فكلمات الله لا تنفد وهي أعيان موجوداته ، والوجود كله كلمات الله التي لا تنفد أبدا. واعلم أن فائدة الكلام الإفهام بالمقاصد للسامعين ، والأحوال مفهمة وهي الكلام ، ولا يخلو موجود أن يكون على حال ما ، فحاله عين كلامه ، لأنه المفهم الذي ينظر إليه ما هو عليه في وقته ، فلا لسان أفصح من لسان الأحوال ، وقرائن الأحوال تفيد العلوم التي تجيء بطريق العبارات ، والعبارات من جملة الأحوال ، فانطلق في الاصطلاح اسم الكلام على العبارات.
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٩)
راجع سورة الحج آية ـ ٦١ ـ (كُلٌّ) يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه لا عينه ، فإنه تعالى قال : (يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فإذا بلغ جريانه الأجل زال جريانه وإن بقي عينه. واعلم أن الله تعالى جعل لكل صورة في العالم أجلا تنتهي إليه في الدنيا والآخرة ،