بهم النار يوم القيامة] فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ، يقول الله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) وجاء في الحديث الغريب الصحيح [من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك] فنكر تعالى العمل وما خص عملا من عمل ، والضمير في فيه يعود على العمل ، والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ، وضمير هو يعود على المشرك ـ تحقيق إخلاص العمل لله من الشرك ـ الإخلاص في العمل هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو الله ، كما هو في نفس الأمر ، أي عمل كان ذلك العمل ، مذموما أو محمودا أو ما كان ، فذلك حكم الله تعالى فيه ما هو عين العمل ، لذلك فإن الله لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك ، فإخلاص العمل لله هو نصيب الله من العمل ، لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر الله فيه عمله ، فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة ، والصورة الظاهرة لا تشك أن العمل بالشهود ظاهر منها ، فهي إضافة صحيحة ، فإن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرّفة لأمر آخر ، لا يقع الحس الظاهر عليه ، بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل ، فإذن الآلة ما هي العامل ، والحس ما أدرك إلا الآلة ، فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها ، المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ، فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ، فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود ـ في الجمع والوجود ـ في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء ، فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ، وهو مسمى الله ، فالنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء ، ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ، مع ثبوت الآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل ، فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما صح عنه : [أتدرون ما حق الله على العباد ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم قال : أتدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، أن يدخلهم الجنة] فنكر صلىاللهعليهوسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء ، وهو قوله تعالى (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ـ وجه آخر في تفسير قوله تعالى في هذه الآية ،