إلا الأعيان القابلة للصور فإنه لا أجل لها ، بل لها منذ خلقها الله الدوام والبقاء ، قال تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فجاء بكل وهي تقتضي الإحاطة والعموم ، وقد قلنا : إن الأعيان القابلة للصور لا أجل لها ، فبماذا خرجت عن حكم (كُلٌّ)؟ قلنا : ما خرجت وإنما الأجل الذي للعين إنما هو ارتباطها بصورة من الصور التي تقبلها ، فهي تنتهي في القبول لها إلى أجل مسمى ، وهو انقضاء زمان تلك الصورة ، فإذا وصل الأجل المعلوم عند الله في هذا الارتباط انعدمت الصورة وقبلت العين صورة أخرى ، فقد جرت الأعيان إلى أجل مسمى في قبول صورة ما ، كما جرت الصورة إلى أجل مسمى في ثبوتها لتلك العين الذي كان محل ظهورها ، فقد عم الكل الأجل المسمى ، فقد قدر الله لكل شيء أجلا ، في أمر ما ينتهي إليه ، ثم ينتقل إلى حالة أخرى يجري فيها أيضا إلى أجل مسمى ، فإن الله خلّاق على الدوام مع الأنفاس ، فمن الأشياء ما يكون مدة بقائه زمان وجوده وينتهي إلى أجله في الزمان الثاني من زمان وجوده ، وهي أقصر مدة في العالم ، وفعل الله ذلك ليصح الافتقار مع الأنفاس من الأعيان إلى الله تعالى ، فلو بقيت زمانين فصاعدا لاتصفت بالغنى عن الله في تلك المدة ، وهذه مسئلة يقول بها الأشاعرة من المتكلمين ، وموضع الإجماع من الكل في هذه المسئلة التي لا يقدرون على إنكارها الحركة ، إلا طائفتين : من يجعل الحركة نسبة لا وجود لها وهو الباقلاني من المتكلمين ، وأصحاب الكمون والظهور القائلون به ، وإن قال القائلون بالكمون والظهور بذلك فإنهم تحت حيطة (كُلٌّ) بهذا المذهب ، فإنه قد جرى في كمونه إلى أجل مسمى ، وهو زمان ظهوره ، فقد انقضت مدة كمونه ، ولا يلزم من جريانهم إلى الأجل أن المراد عدمهم ، بل يجوز أن يكون له العدم ، ويجوز أن يكون الانتقال مع بقاء العين الموصوفة بالجري ، ويجوز أن يكون منه أجل يعدمه ، ومنه ما يكون له أجل بانتقاله يعدمه ، وهو الذي نذهب إليه ونقول به ، فإنه لا بد لكل شيء من غاية ، والأشياء لا يتناهى وجودها فلا تنتهي غاياتها ، فالله يجدد في كل حين أشياء ، وكل شيء له غاية تلك الغاية أجله المسمى ، فليس الأجل إلا لأحوال الأعيان ، والأعيان غايتها عين لا غاية.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٣٠)