أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ـ إشارة ثانية ـ الحق أولى بعباده المضافين إليه المميزين من غيرهم ، وهم الذين لم يزالوا عباده في حالة الاضطرار والاختيار ، من نفوسهم ، وما هو مع من لم يضف إليه بهذه المثابة ، فلكل عالم حظ معلوم من الله لا يتعدى قسمه.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٧)
وكان هذا الميثاق قبل وجود جسد آدم وهو الميثاق الأول فإن الرسل خلفاء الله في الأرض ، فلا بد لهم من ميثاق خاص في التبليغ ، حتى يمتاز التابع من المتبوع ، والميثاق الثاني لما وجد آدم وقبض الحق على ظهره واستخرج منه بنيه كأمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم.
(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) (٨)
(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) ـ الوجه الأول ـ ليسأل الصادقين فيما صدقوا فيه ، هل صدقوا فيما أمروا به وأبيح لهم؟ أو هل صدقوا في إتيان ما حرم عليهم إتيانه مع كونهم صادقين؟ فيقال لهم : فيما صدقتم؟ فإن النمامين صادقون ، والمغتابين صادقون ، وقد ذمّهم الله وتوعد على ذلك مع كونه صادقا ، فيسأل الصادق عن صدقه ولا يسأل ذو الحق إذا قام به ، فالغيبة والنميمة وأشباههما صدق لا حق إذ الحق ما وجب ، والصدق ما أخبر به على الوجه الذي هو عليه ، وقد يجب فيكون حقا وقد لا يجب ويكون صدقا لا حقا ، فلهذا يسأل الصادق عن صدقه إن كان وجب عليه نجا ، وإن كان لم يجب عليه بل منع من ذلك هلك فيه ، فمن علم الفرق بين الحق والصدق تعيّن عليه أن يتكلم في الاستحقاق ، فإن الله يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا ـ الوجه الثاني ـ سؤال الصادقين عن صدقهم من حيث إضافة الصدق إليهم ، لأنه قال (عَنْ صِدْقِهِمْ) وما قال عن الصدق ، فإن أضاف الصادق إذا سئل صدقه إلى ربه لا إلى نفسه ، وكان صادقا في هذه الإضافة أنها وجدت منه في حين صدقه في ذلك الأمر في الدنيا ، ارتفع عنه الاعتراض ،