على نكاح الهبة أن ذلك خالص له مشروع ، وهو حرام علينا ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [خذوا عني مناسككم] فإن الله تعالى يقول : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقال : [من رغب عن سنتي فليس مني] فأبان بفعله صلىاللهعليهوسلم عن مراد الله منا في العبادات ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [العلماء ورثة الأنبياء] فاعلم أن الورث على نوعين : معنوي ومحسوس ، فالمحسوس منه ما يتعلق بالألفاظ والأفعال وما يظهر من الأحوال ، فأما الأفعال فأن ينظر الوارث إلى ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به ـ لا مما هو مختص به عليهالسلام مخلص له في نفسه ومع ربه ـ وفي عشرته لأهله وولده وقرابته وأصحابه وجميع العالم ، ويتبع الوارث ذلك كله في الأخبار المروية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، الموضحة لما كان عليه في أفعاله من صحيحها وسقيمها ، فيأتيها كلها على حدّ ما وردت لا يزيد عليها ولا ينقص منها ، وإن اختلفت فيها الروايات فليعمل بكل رواية ، وقتا بهذه ووقتا بهذه ولو مرة واحدة ، ويدوم على الرواية التي ثبتت ، ولا يخلّ بما روي من ذلك وإن لم يثبت من جهة الطريق فلا يبالي ، إلا أن يتعلق بتحليل أو تحريم فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به ، فإنه من أولي العزم ، وما عدا التحليل أو التحريم فليفعل بكل رواية ، وإذا أفتى ـ إن كان من أهل الفتيا ـ وتتعارض الأدلة السمعية بالحكم من كل وجه ، ويجهل التاريخ ولا يقدر على الجمع ، فيفتي بما هو أقرب لرفع الحرج ، ويعمل هو في حق نفسه بالأشد فإنه في حقه الأسدّ ، وهذا من الورث اللفظي فإنه المفتى به ، فيصلي صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ليله ونهاره ، وعلى كيفيتها في أحوالها وكمياتها في أعدادها ، ويصوم كذلك ، ويعامل أهله من مزاح وجدّ كذلك ، ويكون على أخلاقه في مأكله ومشربه وما يأكل وما يشرب ، كأحمد بن حنبل فإنه كان بهذه المثابة ، روينا عنه أنه ما أكل البطيخ حتى مات ، وكان يقال له في ذلك فيقول : ما بلغني كيف كان يأكله رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكلّ ما كان من فعل لم يجد فيه حديثا يبين فيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعله بكيفية خاصة ، وإن كان من الكميات بكمية خاصة ولكن ورد فيه حديث فاعمل به ، كصومه صلىاللهعليهوسلم ، كان يصوم حتى نقول : إنه لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : إنه لا يصوم ، ولم يوقت الراوي فيه توقيتا ، فصم أنت كذلك وأفطر كذلك ، وأكثر من صوم شعبان ولا تتمّ صوم شهر قط بوجه من الوجوه إلا شهر رمضان ، وكل صوم أو فعل مأمور به وإن لم يرو فيه فعله فاعمل به لأمره ، وهذا معنى قول الله :