(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) (٣)
لما كانت مريم محررة لله ، حاملة لروح الله ، محلا لكلمة الله ، مثنيا عليها بكلام الله ، مبرأة بشهادة ما سقط من التمر في هزها جذع النخلة اليابس ونطق ابنها في المهد بأنه عبد الله ، فكانت لله وبالله وعن الله ، لهذا غبطها زكريا نبي الله ، فتمنى مثلها على الله ، فنادى ربه نداء خفيا.
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (٤)
الاشتعال اسم مخصوص ونعت من نعوت أحوال النار المركبة ، فاستعير للشيب في قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً).
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (٥)
فقدم زكريا الحق على ذكر ولده.
(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٦)
فأكرمه الله بأن قضى حاجته ، وسماه بصفته حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا ، لأنه عليهالسلام آثر بقاء ذكر الله في عقبه ، إذ الولد سر أبيه ، فقال (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وليس موروث في حق هؤلاء إلا مقام ذكر الله والدعوة إليه.
(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (٧)
أنزل الحق تعالى يحيى عليهالسلام منزلته في الأسماء : فلم يجعل له من قبل سميا ، وخصه بأن لم يجعل له سميا من قبل من أنبياء الله ، وهو وإن كان في العالم يحيى كثير ، إلا أن له